مواضيع للرجال للنساء

قصة رعب

قصة رعب 20160817 5529 1
قصة رعب 20160817 5529
كان ضوء الصباح لا يزال يحاول الظهور متحديا كتل السحاب ومتسللا بين اغصان الاشجار وجدران
مباني مدينة الملاهي التي بدت كحديقة كبيرة مهجورة في ذلك الوقت من النهار. لا زبائن
في هذا الوقت، فقط عامل نظافة يجمع بقايا القمامة التي القاها رواد المدينة في اليوم
السابق، ورجلان يسيران في نشاط نحو “بيت الرعب” -لعبة القطار الشهيرة التي يدخل راكبها في
اماكن مظلمة ويشاهد بعض التماثيل والالعاب المتحركة مع قليل من الاصوات المخيفة والمؤثرات الضوئية.لعبة تتصف
بالسذاجة في نظر الكثيرين، ولكنها مع ذلك من اكثر الالعاب نجاحا في اي مدينة ملاه.
لماذا يحبها الاطفال بجنون وينتظرون في طوابير طويلة من اجلها؟ وهل يمكن ان تكون زيارة
مدينة الملاهي تامة بدون دخول بيت الرعب ايا ما كان اسمه في تلك المدينة؟ وهل
هناك مدينة ملاهي تحترم نفسها لا يوجد بها مكان لارعاب الزوار؟

استمر الرجلان في السير، حتى وصلا الى باب اللعبة. فتح الاول الباب بمفتاح معه وقال:
هيا بنا، امامنا عمل طويل في اصلاح تلك الالة التي طلبونا من اجلها”. تثاءب الثاني،
واختلط كلامه بصوت التثاؤب وهو يقول: لا اظن ذلك، ان الامر لن يعدو مجرد تنظيف
التراب ووضع بعض الزيت هنا او هناك، وعلى اقصى تقدير سنجد سلكا مقطوعا او مصباحا
انتهى عمره وينبغي تغييره. كان يمكن ان ناتي متاخرين وننهي عملنا قبل ان تفتح المدينة
ابوابها. لا اعرف سر حبك للعمل في الصباح الباكر.

لم يجب الاول، ولكنه اضاء المصباح الكهربائي الذي يحمله واخذ يبحث في ازرار التحكم الخاصة
باللعبة عن زر فتح الاضاءة الداخلية. تلك الاضاءة التي يستخدمها عمال النظافة وفنيو الاصلاح فقط،
والتي تكون في العادة مطفاة عندما يدخل القطار حاملا الركاب الى داخل اللعبة. وهي اضاءة
موزعة باهمال؛ بحيث تعطي للسائر على قدميه في داخل اللعبة شيئا يسيرا من الضوء كي
لا يصطدم بالتماثيل وقطع الالعاب المتحركة.

استمر الاول في السير بالداخل بحثا عن اللعبة المعطوبة؛ بينما وقف الثاني عند لوحة الازرار
الكهربائية ليتاكد من ان الكهرباء مقطوعة عن الاجهزة الميكانيكية التي تحرك الالعاب لكي يتمكن رفيقه
من فتح اللعبة وتنظيفها والتاكد من وصلاتها الداخلية. بعد خمس دقائق كان الاول قد وجد
السلك المقطوع وبدا في توصيله بشكل صحيح وقد بدا منهمكا في عمله والثاني يراقبه موجها
مصباحه الكهربائي الى داخل اللعبة حيث يعمل الاول ويرى بالكاد من خلال الضوء الضعيف للمصباح
الصغير، فالاضاءة الداخلية لبيت الرعب لم تكن تصل جيدا الى تلك الزاوية.

فجاة صاح الثاني: توقف! لا تلمس الاسلاك بيدك!. نظر الاول بدهشة اليه، وقال: لماذا؟ الم
نقطع التيار الكهربائي عن الالعاب؟ قال الثاني وهو يشير بيده الى لعبة في اخر الممر
قبل الاستدارة التي تقود الى ممر اخر: يبدو انهم قاموا بتغيير الازرار، او ان هناك
خطا ما؛ فاللعبة التي هناك تعمل. حول الاول نظره نحو اللعبة التي كانت تتحرك بالفعل
وتقوم بحركات ساذجة؛ خاصة مع وجود الاضاءة. لاشك ان هذه اللعبة تبدو مخيفة في الظلام
عندما يكون القطار متحركا، وعندما يستدير بركابه يفاجاون بانهم وجها لوجه امامها.

تمثال لساحر يبدو عليه الشر يمسك في يده سيفا رهيبا وعيناه تدوران، ويداه تتحركان والسيف
يهتز وكانه سيسقط على الركاب في اي لحظة. دعابة مرعبة لطيفة ان صح التعبير.

لكن لماذا تعمل هذه اللعبة الان؟ هناك خطا في وصلات الكهرباء حتما. احد العمال قليلي
الخبرة قام بتوصيل اللعبة مع نفس كهرباء الاضاءة الداخلية، ربما.. ولكن الرجلين لن يخاطرا بلمس
الاسلاك الكهربائية قبل التاكد من انها معزولة تماما. تنهد الاول وهو يقول: ناولني مفك الاختبار
كي اتاكد مرة اخرى من ان الاسلاك التي ساعمل عليها امنة. ولكن الثاني لم يتحرك
بل ظلت عيناه متسمرتين على اللعبة التي كانت تتحرك في بلاهة تدعو للضحك اكثر من
الخوف.

هم الاول بالصراخ في وجه زميله لتنبيهه الى الاهتمام بالعمل؛ ولكن رجفة سرت في بدنه
عندما انتبه الى ان اللعبة موضوعة بشكل غريب، فهي لا تواجه القطار وركابه، بل تواجههما!
عقد العامل عينيه في محاولة للفهم، وترك الاسلاك التي في يده وتطلع للعبة في صمت
مع زميله. ان خبرتهما في مجال الملاهي لا تزال حديثة؛ فهما مجرد عاملي صيانة، وربما
لم يركبا اي قطار رعب من قبل في حياتهما البائسة. ولكن حركة تلك اللعبة كانت
مثيرة بالنسبة لهما، لسبب بسيط: ان اللعبة لا تتحرك بشكل ميكانيكي يكرر نفسه، ولكنها تتحرك
بحرية تامة، اليدان والسيف يتحركان في كل زاوية ممكنة؛ ولكن القدمين مثبتتان في الارض اما
العينان فقد كانتا مركزتين عليهما بوضوح شديد، تتحركان قليلا ثم تعودان للنظر اليهما.

ابتلع الثاني ريقه وهو يقول: سانتظرك في الخارج، لا اريد ان ابقى هنا. ولم ينتظر
حتى يسمع رد زميله. دون ان اي كلمة التقطا ادواتهما بخوف وعيونهم معلقة باللعبة وكانهم
يخشون ان تسير نحوهم. وقبل ان يغادرا المكان دوت ضحكة رهيبة هزت بيت الرعب كله..
لم ينظر اي منهما خلفه؛ فقد كانا يعرفان مصدر الضحكة.

انها تلك اللعبة الشيطانية.

* * *

ادخلني رئيس العمال الى مكتب مدير المدينة، فاستقبلنا بترحاب واجلسنا. وبدا رئيس العمال في تقديمي:
هذا هو العامل الجديد الذي سيتولى الاشراف على بيت الرعب. اسمه (حسام)، واعتقد انه اكفا
من يقوم بهذا العمل، لقد اختبرته بنفسي وقد اصلح اللعبة التي كانت معطلة منذ اربعة
ايام. نظر المدير الي وقال: جميل جدا، انت تعرف طبعا المسؤولية التي ستتحملها، بيت الرعب
هو اكثر لعبة لها شعبية في المدينة كلها، واكثر الالعاب استخداما. معظم الاباء لا يحبون
ان يروا اطفالهم في العاب تدور بسرعة او ترتفع لاعلى ثم تهبط. يعتقدون انها خطيرة
ويمنعون الاطفال من ركوبها. اما بيت الرعب فهو اكثر لعبة امنة، وفي نفس الوقت لا
تخلو من الاثارة؛ لهذا تعمل هذه اللعبة اكثر من الباقيين، ولهذا ايضا تكثر الاعطال بها،
صحيح انها اعطال بسيطة ولكنها تحتاج عاملا نبيها وسريعا حتى لا يتوقف بيت الرعب، وكلما
زاد اللعب زادت الاكراميات التي تحصل عليها من الزوار، وفوق هذا قد قررت ان اعطيك
ضعف مرتب العامل السابق. انت تعرف ما حدث معه اليس كذلك؟

كدت اجيب باني لا اعرف شيئا، ولكن رئيس العمال سبقني وهو ينظر معاتبا للمدير، وقال:
لا اظن ان (حسام) ستهمه هذه الحكايات، فلندعه يبدا عمله بسلام. قال المدير وهو يوقع
على ورقة تعييني: انها قصص حمقاء تلك التي بدات اسمعها عن بيت الرعب مؤخرا، بعض
العمال فشلوا في اصلاح اللعبة التي اصلحتها انت؛ فجاءوا وبرروا فشلهم بان هناك وحشا مخيفا
كان يطاردهم داخل اللعبة! ان هذا لكلام سخيف، ولا تفسير له الا انهم قد افرطوا
في تناول المخدرات الرخيصة.

قال رئيس العمال وهو يضغط على كلماته: او انهم يثيرون الشائعات عن مدينتنا حتى تفقد
زوارها، ويذهبون لتلك المدينة الجديدة التي فتحت بالقرب منا، لقد قال عامل بيت الرعب السابق
نفس الكلام قبل ان يترك العمل، وهو الان يعمل في تلك المدينة الجديدة، كان في
استطاعتنا ان نوقف تعيينه في وظيفته الجديدة؛ ولكنا فضلنا تركه يبحث عن رزقه؛ لكننا لن
نسمح لاي شخص اخر ان يكرر هذه الشائعات السخيفة بعد الان.

لم يكن يهمني في ذلك الوقت الا معرفة مرتبي وموعد استلام العمل، كانت حاجتي لهذا
العمل كبيرة بعد تخرجي من كلية العلوم، وفشلي في الحصول على اي عمل، مررت على
كل الاماكن التي اظن انها قد تطلب تخصصي وتركت اوراقي، ولم يجب اي منها لا
بالموافقة ولا حتى بالرفض.

بعد فترة من الياس قال لي صديق ان هناك اعلانا في مدينة ملاه تطلب عاملا
لديه خبرة في “الكهرباء”، ضحك صديقي وقال: انا اعرف انك فيزيائي كبير، فقلت اخبرك بهذه
الوظيفة. ورغم سخرية الموقف ذهبت وقبلوني يا للعجب!

كانت المدينة في حي لا يبعد كثيرا عن الحي الذي نشات فيه، ولكني لم ادخلها
من قبل. ربما مررت من امامها مرة وسمعت اصوات الالعاب وضحكات الزوار وصيحات الاطفال والاغاني
الصاخبة، وقلت في نفسي انهم قوم لديهم فراغ كبير في وقتهم، واحتضنت كتاب اسس الفيزياء
الكمية وعدت لبيتي ومذاكرتي. ما كان يخطر ببالي ابدا ان ياتي اليوم الذي القي فيه
كتبي في الدرج وارتدي ملابسي ثم اذهب للعمل في مدينة الملاهي.

انا الذي كلما جاءني صديق وزار غرفتي احتار في الصور المعلقة في كل مكان، صور
بالابيض والاسود مكبرة كانها لنجوم الغناء او كرة القدم. ينظر اليها الداخل دقائق محاولا معرفة
اصحابها وعندما يعجز يسالني: هل هؤلاء مطربون من امريكا؟ فاضحك واعرفه بكل واحد منهم: هذه
صورة “نيلز بور”، وهذا “هايزنبرج” وهذه “ماري كوري”، وطبعا هذا “اينشتين” في شبابه، وتحته “شرودنجر”.
غالبا يختلط عليهم هذا الاخير “بارنولد شوارزنجر” الممثل؛ فانطلق في حماس موضحا الفرق بينهما دون
ان يفهمني احد.

والان انا نائم على سريري بعد ان استلمت عملي الجديد في بيت الرعب في الملاهي،
احاول الا تقع عيني على عين “شرودنجر”، اعطي ظهري للحائط الذي عليه صورة “بور”. تواجهني
على الناحية الاخرى صورة “زويل”، هو سيفهمني اكثر من الاخرين، وربما يشرح لهم. اعذروني يا
اساتذتي، هذا هو العمل الوحيد الذي وجدته. او للدقة: هذا العمل هو الذي وجدني.

* * *

بجوار بيت الرعب يقع كشك صغير يبيع المرطبات والحلويات، تعرفت على الشاب الذي يعمل به
واكتشفت انه كان يحلم بدخول كلية العلوم ولكنه لم يحصل على المجموع المناسب ولم يدخل
الجامعة اصلا، ضحكت وعرفته بنفسي وبوظيفتي العلمية، وانني اشرف على لعبة بيت الرعب، وان ابحاثي
تدور حول اصلاح الاعطال الفنية لالعاب اطفال. ابتسم وقال بصوت منخفض: لا تسخر من وظيفتك،
المسالة اصعب مما تتخيل، هناك اشياء غريبة بدات تحدث في هذه اللعبة، وما سمعته عنها
لا استطيع ان اخبرك به حتى لا افقد عملي، عموما اتمنى لك التوفيق. وبعد ان
اثار قلقي انطلق يدندن مع الموسيقى التي تنبعث من الكشك.

مر اليوم الاول بسلام، عرفت اني يجب ان اوقف قطار اللعبة كل ساعة لمدة عشرة
دقائق حتى تستريح الاجهزة، وفي تلك الدقائق لا استريح انا بل امر على كل اللعب
واتاكد من ان كل شيء على ما يرام، غالبا اجد اشياء سقطت من الزوار فاحتفظ
بها حتى ياتي صاحبها بعد قليل ويسالون عنها. هواتف محمولة وولاعات سجائر، واحيانا قطع حلى
لفتيات. في البداية اسال صاحب الشيء عن صفته ثم اعيده له. لم تحدث اي اعطال،
وكان العمل يسيرا، ربما كان اكثر ما ارهقني هو الاشياء التي تضيع من الناس، واضطر
الى البحث عنها في القطار او على الارض، واذا لم اجده احاول ان اقنع الشخص
ان الشيء الذي ضاع منه ربما يكون في مكان اخر او ربما يكون سرق مثلا.

في نهاية اليوم اخبر صديقي الجديد عامل الكشك بمشكلة الاشياء الضائعة والمسروقة من الناس، فيقول:
عندي لك اغنية تناسبك. اتناول مشروبا غازيا من عنده وهو يضع اسطوانة في مشغل ال
“سي دي” واسمع “احمد منيب” يغني، انتهي من الشرب وامد يدي بثمن المشروب فيرد يدي
دون ان يتكلم، ويبدو عليه الاهتمام الشديد عندما تصل الاغنية الى الجملة التي يريدها، يغني
معها بصوت عال مداعبا اياي: وكل شيء بينسرق مني. اضحك واعود للبيت وقد تعودت على
عملي، والفته من اول يوم كانني ولدت عاملا في مدينة ملاه، وكاني لم ادرس العلوم،
وبدت صور العلماء في غرفتي غريبة علي. فكرت لحظة ان استبدل بها صور “ميكي” و”بطوط”،
ربما افعل هذا في يوم اخر. الان انا مرهق بشدة ويجب ان انام.

* * *

لا اعرف كم مر من الوقت وانا نائم، احلم بقطارات والعاب وموسيقى كشك مدينة الملاهي،
فجاة اصبحت الموسيقى عالية وتداخل الحلم مع الحقيقة ووجدت نفسي مستيقظا على صوت هاتفي المحمول.
ارد دون ان يكتمل استيقاظي فاسمع صوت مدير العمال قادما من الحلم يقول: نريدك ان
تاتي حالا لتفتح بيت الرعب. اقول شيئا في الحلم ايضا دون ان تتحرك شفتاي، يقول
المدير وقد بدا صوته يعلو: هل انت معي؟ هل سمعت ما قلته لك؟ اهز راسي
باني سمعت واصدر صوتا ما من شفتي لا افهم انا نفسي معناه. يكرر الرجل كلامه:
احضر مفاتيح بيت الرعب وتعال فورا، خذ سيارة اجرة ان لزم الامر، انا هنا في
انتظارك، اريدك امامي باسرع وقت. مع نهاية كلامه بدات استيقظ وافهم. هذا الرجل يطلبني بعد
منتصف الليل كي افتح بيت الرعب، هل هناك من يريد ان يلعب الان؟ ما هذا
العبث؟ لم نتفق على هذا. ارتدي ملابسي غاضبا، واقسم اني ساعطيه المفاتيح واخبره اني لن
استمر في العمل بهذه الطريقة.

وصلت مدينة الملاهي في وقت قياسي، ووجدت الباب مفتوحا والحارس يبدو عليه الضيق ايضا. لاشك
انهم ايقظوه لسبب ما. اساله ماذا حدث فيقول: “سيدة وقع منها شيء وجاءت تبحث عنه
الان. بحثنا معها في كل مكان ولم يبق غير بيت الرعب، اذهب الى هناك وستجدهم
ينتظرونك.

ادخل الى قلب المدينة بعد منتصف الليل والظلام مع نسيم الليل يداعبان النوم في عيني،
اتمنى ان يكون كل هذا حلما، ولكني اصل الى بيت الرعب واجد مدير العمال مع
رجل وامراة وعامل اخر. افهم بسرعة ان السيدة سقط منها خاتم ثمين، وانها حررت محضرا
في قسم الشرطة. احد الضباط هناك يعرفها ويعرف مدير العمال فطلب منه سرعة انهاء الموضوع
هذه الليلة. نظرت للسيدة المنهارة والتي كانت تبكي حتى نفدت منها الدموع، وتقول بصوت غير
مفهوم: ان الخاتم مهم جدا لها وان ثمنه ليس غاليا ولكنه هدية من زوجها الذي
يقف بجوارها محاولا اقناعها بانه سيحضر لها افضل منه، وان فقدان الخاتم امر جيد؛ لانها
ستحصل على الخاتم الجديد، فلا ترد عليه وكانها طفلة تريد لعبتها ولا تريد غيرها.

تعاطفت مع المراة واخفيت غضبي من استدعائي بهذه الطريقة، وفتحت بيت الرعب ودخلت مع العامل.
بحثنا جيدا في كل مكان ولكننا لم نجد شيئا. بعد ربع ساعة خرج العامل يائسا
وسمعته يحاول اقناع المراة من جديد بان الخاتم سرق او ضاع في مكان اخر، وتلكات
انا بداخل نفق القطار فلم اكن ارغب بالمشاركة في هذا الحديث. تظاهرت بالبحث عن الخاتم؛
بينما كان النوم يبحث عني وجسدي يتحرك بتثاقل وكسل. من جديد اختلط الحلم بالحقيقة عندما
سمعت هاتفا يقول: الخاتم في الركن اسفل تمثال الساحرة، كالمسحور توجهت للتمثال ونظرت اسفله والتقطت
الخاتم، وفجاة احسست به في يدي حقيقة وليس حلما؛ فاصابتني رعدة والتفت حولي متسائلا عن
مصدر الصوت. لم يكن هناك غيري بالداخل، وكانت اصوات المتحدثين خارج اللعبة تصل الي، ولكنها
تبتعد حيث يبدو ان المراة اقتنعت بعدم جدوى الانتظار اكثر من هذا، كان الخاتم في
يدي وتنازعت بداخلي رغبة الخروج واعطائه لها والفضول لمعرفة مصدر الصوت.

دقيقة كاملة من الحيرة مرت وانا امسك بالخاتم في يدي وانظر الى كل الاركان منتظرا
ان يتكرر ذلك الصوت مرة اخرى؛ لكن يبدو اني كنت اتخيل. هناك تفسير علمي لهذا
التخيل على كل حال، ربما تكون عيني الناعسة قد وقعت على الخاتم اثناء البحث؛ ولكني
لم انتبه لهذا، وبعد ان ربط عقلي النصف نائم بين صورة الخاتم وبين موقعه ارسل
لي هذه الاشارة المتاخرة قليلا في صورة كلام مسموع. هذه الالعاب الدماغية هي اخر ما
ينقصني الان. يجب ان اسرع واعطي الخاتم للسيدة واغلق اللعبة واعود لسريري.

في السرير، تبخر التفسير العلمي وعادت الخيالات والاحلام. كنت احلم بلعبة من العاب بيت الرعب
وهي تتكلم وتخبرني عن مكان الخاتم، وانا اقول لها: اني لا احب الخواتم ولا اهتم
بها. وفجاة تحول الحلم الى كابوس عندما ظهرت لعبة الساحر ذي الرداء الاسود وهو يحمل
سيفه البلاستيكي المطلي بالاصفر ليبدو كانه مصنوع من المعدن. هوى بسيفه على الخاتم فشطره الى
قطعتين في اللحظة التي استيقظت فيها مفزوعا.

-2-

في اليوم التالي اخبرت فتى الكشك بما حدث واقترحت عليه ان نكتب على اللعبة لافتة
تقول: انه من غير المسموح ركوب قطار بيت الرعب مع اشياء ثمينة، واننا غير مسئولين
عن فقدها، فاخبرني بوجود لوحة تعليمات على باب مدينة الملاهي تنبه بالحفاظ على الامتعة الشخصية
ولكن كل هذا لا فائدة له. لابد من شخص مهمل هنا او هناك، ولابد ان
تساعده في ايجاد ما ضاع منه. هذا التنبيه فقط لاخلاء المسئولية القانونية؛ ولكن المسئولية الانسانية
تظل قائمة. ثم انقلب الى المزاح قائلا: ان المشكلة ليست في الاشياء الضائعة فهذه يمكن
ايجادها؛ المشكلة في الاشياء المسروقة. واخذ يردد عبارته المفضلة وكل شيء بينسرق مني. فاخرج من
جديتي واقول له: اني لم ار شيئا يسرق منه ابدا رغم ما يبدو عليه من
اللامبالاة؛ بل ان عينيه كعيني صقر ان حاول احدهم سرقة شيء من الكشك.

لكل شخص اشياؤه الثمينة التي يحافظ عليها، ويبدو ان هذا الشاب ليس لديه اي شيء
ثمين في حياته سوى هذا العمل؛ لهذا فهو يستميت من اجل الحفاظ عليه من السرقة.
خفضت بصري وانا اعود لمكاني عند لعبة بيت الرعب، كان لدي انا ايضا حلم ثمين
بان اكون عالما في الفيزياء ولكني لا اعرف كيف ولا متى سرق مني.

اضيفت الى مهمتي الرئيسية بتشغيل وصيانة اللعبة مهمة جديدة، ان انبه كل الراكبين بالحفاظ على
متعلقاتهم الثمينة، وان انبه هذه الفتاة لكي تغلق حقيبتها جيدا، وهذا الشاب لكي يضع هاتفه
في يده ولا يتركه يسقط من جيبه. واحيانا اخذ منهم الاشياء الثمينة وابقيها معي حتى
يخرجون من اللعبة اذا طلبوا ذلك. بمرور الايام بدات اشعر اني اتحول من عامل صيانة
وتشغيل -كما هو المسمى الوظيفي- الى موظف امانات يحفظ الاشياء الثمينة، ويساعد الذين ضاعت اشياؤهم
في العثور عليها واحيانا تطييب خاطر من سرق منه شيء.

تباعدت المسافة بيني وبين عالم الفيزياء “باول ديراك”، ولم يعد “انريكو فيرمي” يثير اهتمامي بقنبلته
النووية، لا اعرف من هم رموز مهنة موظف الامانات حتى اضع صورهم على حائط غرفتي
مكان هؤلاء العلماء. هل حصل احد على جائزة نوبل او اي جائزة لانه يعمل في
تشغيل العاب الملاهي؟ اعرف ان هذه افكار ساذجة وتخريف يحدث لي بسبب انتقالي الى عالم
جديد، ربما يكون هو عالمي الاصلي. تبدو كلية العلوم خارج السياق واحلام المجهر الالكتروني واوهام
المعادلات المعقدة غير واقعية. كاني ولدت عامل صيانة العاب منذ اللحظة الاولى، وما كانت دراستي
الا انعطافة خاطئة عدت بعدها لما خلقت من اجله.

* * *

اليوم قرر مدير المدينة ان يمر بنفسه على الالعاب ويشاهد الناس ويسمع رايهم وشكاواهم. كان
يقف امام كل لعبة عدة دقائق يسال واحدا او اثنين من الاطفال او الشباب عما
اعجبه وما لم يعجبه، يمزح قليلا معهم، وقد يلتقط صورة مع بعضهم ثم يذهب الى
اللعبة التالية. لم تمر ساعة حتى وجدته امامي ومعه رئيس العمال ورجل امن ورجلان لا
اعرفهما. اشار الى بيت الرعب وبدا يحدث الرجلين عنه بطريقة احسست منها انهما ضيوفه، ربما
صحفيان سيكتبان عن المدينة او شيء من هذا القبيل.

استوقف فتى كان خارجا من قطار بيت الرعب وساله عن رايه فقال بحماس: ان هذه
ثاني مرة ياتي للمدينة في اقل من اسبوع، وانه سعيد لانه وجد وحوشا جديدة في
بيت الرعب! لم يفهم مدير المدينة ماذا يعني الفتى بالوحوش الجديدة؛ اذ لم تكن هناك
اية العاب جديدة تم تركيبها في اي مكان في المدينة؛ لكنه اهمل هذه الملاحظة ونظر
الى الضيفين بنظرة معناها الم اقل لكما، الناس تحب مديتنا وتاتي كثيرا.

مرت بجواره طفلة كانت ايضا خارجة من لعبة القطار؛ ولكن الاحباط كان واضحا على ملامحها
الصغيرة. امسك بيدها وسالها بلغة طفولية: وانت لماذا لا يبدو عليك الحماس؟ الم تعجبك اللعبة؟
هزت كتفيها الصغيرين وقالت: لقد ذهبت لبيت الرعب في هذا الصباح وكان هناك التمساح الكبير
وقد اعجبني شكله لانها اول مرة اشاهد تمساحا. ولما دخلت الان مرة اخرى وجدت التمساح
قد ذهب، هل تعرف متى يكون التمساح موجودا؟.

كان يضحك ولا يعرف ماذا يقول لها، حاول ان يشرح لها ان الالعاب لا تتحرك،
وان هذا التمساح هو بالتاكيد في مكانه دائما وكل يوم. وانها ربما لم تره لانها
كانت تنظر في الجهة الاخرى مثلا. ثم فكر انه ربما يكون ذلك التمساح اصيب بعطل
منعه من الحركة فعلا فقال لها: وربما يكون التمساح يستريح قليلا، اذا جئت مرة اخرى
غدا ستجدينه بكل تاكيد.

قبل ان يترك منطقة بيت الرعب، قرر ان يسال شابا ناضجا عن رايه لكي يستمع
الى شيء من الكلام العاقل. اختار شابا يبدو هادئا ورزينا واخبره انه مدير المدينة ويريد
ان يعرف اذا كان لديه اي ملاحظة على بيت الرعب. قال الشاب: بصراحة هذه اجمل
لعبة هنا، وانا متعجب من التكنولوجيا الحديثة التي لديكم، لقد كانت الوحوش تتحرك كانها حقيقية،
لكني لم افهم كيف كان التنين الاخضر في بداية اللعبة منذ عشرة دقائق، ولما دخلت
مرة اخرى مع اخي الصغير وجدنا التنين قد انتقل الى مكان اخر بعد تمثال الرجل
ذي الاربع اياد، وقد كان قبله بكثير. كيف تقومون بهذه الخدع؟.

بدت الحيرة على وجه المدير وهو يعرف جيدا ان قطع الالعاب مثبتة في اماكنها ولا
يمكن ان يحركها احد بهذه السرعة. نظر في عين الشاب محاولا معرفة ان كان جادا
فيما يقول. الطفلة قالت ان التمساح اختفى، والشاب يقول التنين يتحرك، وهناك لغط كثير يدور
حول بيت الرعب منذ فترة. لا يمكن ان يكون هناك تنين اخضر يلعب بحرية داخل
نفق قطار بيت الرعب او تمساح حي يتنقل بين اركان مدينة الملاهي.

نفض الافكار الساذجة عن عقله وهو يقول لنفسه ان التنين حيوان خيالي اصلا، ولكنه قرر
ان يركب لعبة قطار بيت الرعب بنفسه حتى يشاهد هذا التنين المزعوم. بدت الدهشة على
وجه رئيس العمال الذي لم ير مديره يجرب اي لعبة بنفسه قط. دائما هناك شخصية
المدير الجاد الحازم الذي لا يهز هيبته بركوب العاب الاطفال، حتى ان كانت تاتيه رغبة
قوية بعض الاوقات لتجربة لعبة مثيرة؛ الا انه يقاومها حفاظا على هيبة استغرق بناؤها سنوات
وسنوات.

كنت اسمع الحوار وانا اقف بجوارهم دون ان ينتبه لي احد، وعندما قرر المدير ان
يجرب اللعبة التفتوا لي كلهم وكاني ظهرت فجاة عندما اصبح لي دور يحتاجونه. قال مدير
المدينة بعبارة حاسمة ساركب القطار التالي مع صديقي هذا واشار للشاب الذي كان يسال عن
التنين ا?خضر. وددت ان اتدخل واقول لهم انه لا يوجد تنين اخضر اصلا بين الالعاب؛
ولكني احسست ان هذا سيكون تصرفا سخيفا. فلاترك الرجل يكتشف بنفسه هذه الحقيقة. ركب المدير
بجوار الشاب في اخر كرسي في القطار. الذي امتلا بالركاب، ووقف بقية الرجال بجواري منتظرين
خروج القطار من بيت الرعب.

* * *

في اول دخول القطار الى النفق، اشار الفتى بحماس الى اليمين وقال: هنا كان التنين
واقفا في اول مرة، وبعد مسافة كبيرة قال بحيرة: وهنا كان يقف في المرة الثانية،
لكني لا اعرف اين ذهب الان!. اكتشف المدير انه باع هيبته بمقابل رخيص جدا، هذا
الشاب احمق بلا شك. لم يرد عليه وقد بدا وجهه يحمر من الغيظ، لم يخدعه
احد بهذه السهولة من قبل. منذ بدا تكوين مشروع مدينته والجميع يتامر عليه، ودائما ينجو
من حيلهم ببراعة شديدة حتى جاء هذا الشاب الغبي وهزا به هكذا.

اما الشاب نفسه فقد انكمش في مكانه داخل القطار واغلق فمه في خجل شديد، لم
يكن كلامه مقنعا لطفل، ولكنه كان واثقا من وجود لعبة تشبه التنين، وان اخاه الصغير
اعجب بها ايضا. التفت بعينه يمينا ويسارا منتظرا ان يخرج القطار من النفق في اي
لحظة حتى تنتهي لحظات الخجل هذه وربما يبحث عن كلمات يعتذر بها للرجل بعد ذلك
والافضل ان يرحل مع اخيه دون ان يقول شيئا.

وفجاة ظهر التنين الاخضر قبل نهاية النفق بقليل، صاح الشاب منتصرا: هذا هو، لقد تغير
مكانه مرة اخرى! تعالت صيحات ركاب القطار مستمتعين بالتنين الصغير الذي يخرج من فمه لهبا
حقيقيا صغيرا، ولكنه كاف لاضاءة ظلام النفق، وتتراقص الشعلة الخارجة من فمه لتحرك خيالات التماثيل
الاخرى في رعب لذيذ. كان الشاب يبتسم فرحا؛ اما المدير فقد فقد القدرة على النطق
عندما راي التنين. انه لا يصدق ان تمثال التنين هذا يتحرك ولكن ما اثار رعبه
هو شعلة النار التي يمكن ان تحدث كارثة في مكان مغلق كهذا. ان ابسط معايير
السلامة تمنع وجود مثل هذه اللعبة، وهو متاكد انه لم يوقع على ورقة لتركيب لعبة
يخرج منها لهب حقيقي.

قال لنفسه: ان هذا اللهب هو خدعة متقنة بشكل ما، لا يمكن ان يكون حقيقيا
ابدا. بعد ثوان تجاوز القطار لعبة التنين التي انطفات شعلتها واظلم المكان مرة اخرى. التفت
مدير المدينة للخلف بجسده كله متاملا التنين وهو يبتعد للوراء وكذلك فعل الشاب وهو متحمس
بشدة. ورغم الظلام التام استطاع الشاب ان يرى التنين وهو يقوم باعجب فعل يمكن ان
يتصوره، لقد رفع يده وحك بها انفه! عقد المدير حاجبيه في اهتمام وهو يسمع صرخة
رعب قادمة من شفتي الشاب: انه يحك انفه!. وفي اقل من لحظة انزل التنين يده
الى جواره وعاد كما كان. لكن المدير كان قد لمح هذه الحركة السريعة مع اضاءة
مباغتة للعبة اخرى.

قال الشاب: لقد فهمت، هذا التنين هو شخص يرتدي زي تنين اذن، ولهذا هو يتحرك
من مكان لاخر، ولهذا يحك انفه. خدعة جيدة يا سيدي. هذه فعلا افضل مدينة ملاه
زرتها في حياتي. ابتسم المدير مجاملا ونزل من القطار عندما توقف تاركا الصحفيان يتحدثان مع
الشاب، وتوجه نحوي قائلا: اوقف هذه اللعبة فورا. لن يدخل احد بيت الرعب اليوم.

* * *

توقفت اللعبة لاسبوع كامل. وتلقيت اوامر مباشرة من المدير بعمل خاص في هذا الاسبوع. طلب
مني قائمة بكل الالعاب والتماثيل الموجودة داخل نفق بيت الرعب بالترتيب الذي يراه الداخل من
اول النفق. ثم بعد ذلك اركب القطار وحدي ثلاث مرات كل يوم واتاكد مرة اخرى
من القطع وترتيبها!

ورغم ان هذا اسخف طلب سمعته في حياتي؛ لكنه على الاقل عمل سهل. اركب القطار
واتاكد من كل لعبة، ثم اجلس بجوار صديقي نتحدث عدة ساعات، ثم اركب مرة اخرى
وهكذا. بدات اتحسر على الساعات التي قضيتها في مكتبة الكلية اقرا عن علاقة الرياضيات بالفيزياء
واسجل المعادلات المثيرة في كراساتي. كل هذا لا قيمة له الان، المهم هو تسجيل تلك
الالعاب وترتيبها وارسال تقرير علمي لمدير المدينة. ربما ينشره المدير في مجلة عالمية للابحاث فيما
بعد، لا شك انه بحث مهم فقد اثبت فيه ان العاب بيت الرعب عددها كذا
وانها لا تزيد ولا تنقص ولا تتحرك من تلقاء نفسها.

بعد ان اطمان المدير لنتيجة البحث الذي اجريته، قال لي: اليوم تجرب قطار بيت الرعب
للمرة الاخيرة وغدا نفتحه مرة اخرى للزوار. يكفينا كل هذه الخسائر. الغريب انه نسي موضوع
التنين تماما رغم اني قدمت له قائمة بالالعاب الموجودة ولم يكن فيها اي تنين.

ركبت القطار وقام عامل الكشك بتشغيله وبدا التحرك. اسجل القطع التي اراها كالمعتاد: البومة الكبيرة،
الراس ذو الثلاثة عيون، الكاو بوي الاعمى الذي يحمل مسدسين ويطلق بعشوائية، ثلاثة خفافيش رمادية..

لحظة واحدة، لم تكن هناك اية خفافيش في اللعبة طوال الايام السابقة! هذه الخفافيش حقيقية
اذن وقد دخلت الى اللعبة ظنا منها انها كهف مهجور. انهيت جولتي بالقطار، ثم دخلت
على قدمي مرة اخرى لكي اطرد هذه الخفافيش. كنت احمل مصباحي الكهربائي وابحث عنها، لابد
انها طارت لمكان اخر. وصلت الى منتصف القطار عندما رايتهم معلقين باحدى الالعاب. بدات افكر
في طريقة لطردهم خارج القطار؛ ولكني سمعت صوت خطوات من خلفي. استدرت فجاة فوجدت دبا
صغيرا يقترب مني بهدوء، من الجهة الاخرى كان تنين اخضر يتحرك نحوي ايضا ثم جاء
تمساح يزحف وفئران وعنكبوت وكائنات اخرى غريبة لا اعرف لها اسما.

اصبحت محاصرا تماما في هذا المكان المظلم ومصباحي الكهربائي لا يكفي لاضاءة كل الاتجاهات كي
ارى عشرات العيون التي تنظر الي. وقفت مذهولا لا اعرف ماذا ينبغي ان افعل. لن
يسمع احد صراخي وانا في وسط النفق، ولن استطيع اختراق هذه الاجساد كلها واجري في
اي ناحية. انا تحت سيطرتهم تماما فلياكلوني لو ارادوا؛ لكن ليفعلوا هذا بسرعة قبل ان
تنهار اعصابي.

-3-

بدا التنين الصغير بالكلام. هل يمكن ان يتكلم تنين؟ وهل يوجد اصلا تنين في الحقيقة؟
وما هذا المكان المرعب الذي انا فيه؟ لم افهم ما قاله لاني لم اسمعه جيدا،
وجدت نفسي اقول اشياء مثل “اريد ان اخرج من هنا، دعوني اذهب، لا تؤذوني..” وهو
يرد علي وانا لا افهم. كل ما اريده هو ان يفسحوا لي الطريق كي اخرج
من هنا.

اشار الدب الى التنين لكي يسكت واقترب هو مني وبدا يتكلم. هذا افضل قليلا، ان
تتكلم مع دب هو امر ايسر قليلا من الحديث مع كائن خرافي. قال الدب: لا
تخف. تمنيت ان افعل كما يقول، ولكن كان ذلك مستحيلا في هذه الظروف.

احضروا لي كرسيا لا اعرف من اين، ووجدت نفسي اسقط عليه دون ان اشعر. جلسوا
حولي كلهم في حلقة كبيرة؛ بينما طارت الخفافيش من موقعها السابق لتحط في مكان اخر
امامي. الدب هو الوحيد الذي ظل واقفا. نظرت اليه مستفهما عما يدور هنا فقال: طبعا
انت مندهش لما تراه، ولكننا نعرف انك ستتغلب على دهشتك وخوفك، ساشرح لك كل شيء،
نحن مجموعة من الكائنات التي لا يعرفها البشر، وكل ما لا تعرفونه فهو بالنسبة لكم
عفريت او جني او نحو ذلك، لنقل اننا من العفاريت المسالمة التي تتصور في اشكال
مختلفة، كنا نعيش في هذا المكان قبل انشاء مدينة الملاهي ثم رحلنا في اصقاع الارض،
بعد مئات السنين من الدوران هنا وهناك اكتشفنا ان راحتنا لن تكون الا في هذا
المكان، فعدنا مرة اخرى لكي نموت هنا، فقد كبرنا كلنا واقترب اجلنا، عدنا فوجدنا الحي
قد امتلا بالبشر ولم يعد لنا مكان نعيش فيه، قضينا سنة كاملة ندرس المنطقة حتى
اهتدينا الى ان انسب مكان لنا هو هذا النفق الذي تسمونه بيت الرعب، قررنا ان
نقيم فيه ما تبقى لنا من العمر؛ فهنا يمكن ان نختفي وسط الالعاب، ولن يشك
فينا احد، وايضا سنساعد في تسلية زوار النفق ببعض الخدع والالعاب، كان كل شيء على
ما يرام حتى جاء هو.

كان يريدني ان اساله بالطبع “من هو”؛ ولكني لم استطع ان افتح فمي من الرهبة؛
فتكفل التنين بالاجابة عن السؤال المفترض: هناك في كل مكان الجيد والسيء، وفي جنسنا كان
هو اسوا المخلوقات على الاطلاق. قال الدب مؤمنا على كلامه: نعم هو كالمجرمين في عالمكم،
كاشد المجرمين شرا واكثرهم خبثا.. انه الكرونوثيف. او بلغتكم سارق الوقت، الكرونوثيف هو مخلوق مثلنا
لكنه يحيا عمرا اطول اذا سرق عمر الاخرين، وله في ذلك حيل كثيرة كلها محرمة
علينا، ولا نقترب منها؛ بينما هو لا يتورع عن التهام الاعمار طوال الوقت وخاصة اعمار
البشر.

سالت بفضول بعد ان هدا خوفي منهم قليلا: وكيف يسرق اعمار البشر؟ يقتلهم وهم صغار
مثلا؟

قال التنين شارحا: لا، هو لا يقتل، ليس لانه لا يقدر على ذلك؛ ولكن لان
الموت هو ضياع الوقت، هو يسرق الاوقات من الاحياء، يتغذى على كل ثانية يمصها من
اي انسان، اذا نظرت في ساعتك ورايتها تشير للخامسة وبعد قليل نظرت اليها فوجدتها في
السادسة وقلت لنفسك ان الوقت يمر بسرعة، او اذا اختلط عليك الامر ولم تعرف هل
اليوم هو الثلاثاء ام الاربعاء ووجدت انه الاربعاء، فاعلم ان الكرونوثيف قد سرق منك ساعة
او يوما!.

قال الدب: كل الاوقات الضائعة تذهب الى كرونوثيف، لا يوجد شيء يضيع في الحقيقة، ما
يضيع يمكن ان تجده مرة اخرى اذا بحثت عنه، المشكلة في الاوقات المسروقة التي التهمها
كرونوثيف، هذه لن تعود. ولا يوجد مكان افضل من مدينة ملاه كي يقيم فيها الكرونوثيف،
هنا تسهل سرقة اوقات الاخرين الذين جاءوا باقدامهم ليستمعوا بوقتهم، معظمهم لا يلاحظ ان وقته
يسرق منه، ولا يميز بين ان يستمتع هو بالوقت وبين ان يستمتع به الكرونوثيف الذي
يحب اوقات الشباب وصغار السن بشكل خاص.

قال التنين: وقد جاء هذا الكرونوثيف الى بيت الرعب واتخذه مقرا له، في البداية لم
نتكلم معه، وتظاهرنا بانه غير موجود، طوال اليوم هو يدور في مدينة الملاهي يتغذى على
الاوقات المسروقة ثم يعود في المساء لبيت الرعب؛ لكنه لم يكن ينام مثلنا، كان يتسلى
بازعاجنا ومضايقتنا، وفي الايام الاخيرة اخبرنا انه اعجب بهذا المكان وبخيراته الكثيرة من الاوقات التي
لا تجد من يلتهمها، وطلب منا ان نعمل معه في سرقة الاوقات لحسابه او يطردنا
من هنا!.

قال الدب وهو يجلس مهموما: لا داعي لهذا الكلام، نحن لن نسرق كما يريد الكرونوثيف،
وهذا الانسان لن يستطيع ان يساعدنا بشيء، لم يكن ينبغي ان نتحدث اليه يا تنين،
هو عاجز مثلنا؛ بل ربما اكثر منا، دعوه يذهب.

نظر الي الجميع نظرة استجداء لكي اقول اني ساساعدهم، ونظرت انا اليهم نفس النظرة كي
يتركوني اذهب في سلام قبل ان ياتي هذا الكرونوثيف او افقد وعيي من الرعب في
هذا المكان المخيف والمخلوقات الغريبة التي تجلس حولي.

بعد ان ادركوا اني لن اقوم بدور البطولة المفترض، افسحوا لي الطريق في صمت، فقمت
مسرعا. قال التنين: تستطيع ان تساعدنا لو اخبرت كبيرنا عما يحدث، ربما يفعل شيئا من
اجلنا، خذ هذا عنوانه، قل له انك جئت من بيت الرعب، واحك له كل شيء.
اعطاني ورقة فيها عنوان فيلا في المعادي! وتراجعوا جميعا الى داخل النفق هامسين لبعضهم: الكرونوثيف
قادم، اختفوا جميعا!.

وضعت الورقة في جيبي وجريت نحو باب النفق؛ لكني تعثرت في سلك كهربائي وسقطت على
الارض، وعندما اردت القيام مرة اخرى رايته يتشكل. كان شخصا يمسك ريشة ويرسم على الهواء
باللون الاسود تمثال الساحر بعيونه الكبيرة وردائه الاسود ولحيته ذات اللون الاحمر. كان التمثال يكتمل
وهو يتحرك داخل النفق الى المكان الذي يقف فيه، وعندما شاهدني تجمد مكانه. مررت بجواره
بسرعة متجنبا النظر اليه كان السيف يلمع في يده، ورغم اني اعلم انه سيف ضعيف
من البلاستيك؛ الا اني خفت بشده عندما اكتمل ظهور السيف في يده من الفراغ كما
ظهر هو نفسه. سمعته يصيح بصوت مبحوح: اياك ان تذهب الى ذلك العجوز، انهم يخدعونك،
لا احد يستطيع القضاء على الكرونوثيف، واذا حاول اي احد فانه يموت، لا تذهب، لا
تذهب ان كنت خائفا على عمرك.

* * *

عندما خرجت من النفق الهث كان كل شيء في مدينة الملاهي كما هو، الزائرون يتنقلون
من لعبة الى اخرى، وصديقي عامل الكشك قد استجاب لطلب بعض الزوار الخليجيين الذين توقفوا
لشراء بعض الماكولات من عنده ووضع لهم اغنية لمطربة خليجية رنت كلماتها في اذني وانا
امر امام الكشك “فاتك نص عمرك يا حرام، يااللي للحفلة مو جاي”.

سالت نفسي وانا اغادر مدينة الملاهي: هل يمكن ان ياتي انسان الى هذه الحياة ويفوته
نصف عمره؟ هل يسرق الكرونوثيف من بعض الناس اعمارهم كلها؟ وانا كم سرق مني الكرونوثيف؟
هل كانت كل دراستي التي ضاعت سدى اوقاتا التهمها سارق الوقت؟

نظرت الى العنوان المدون في الورقة، انها بالتاكيد فيلا مهجورة يقيم فيها ذلك المخلوق. قد
يكون في شكل قط او ثعبان. ربما يكون في شكل انسان. لقد حذرني الكرونوثيف من
مقابلة العجوز اذن فهو يتمثل شكل انسان. هل اذهب اليه ام لا؟ وهل الامر كله
خدعة؟

عدت الى غرفتي ووضعت الورقة على المكتب ونظرت اليها قليلا. نظرت الى “اينشتين” على الحائط
وبجواره الساعة. قمت فجاة مذعورا عندما وقعت عيني على الساعة فقد مرت نصف ساعة كاملة
وانا لا افعل شيئا سوى النظر الى الورقة. كثيرا ما ضاعت مني اوقات من قبل
بهذه الطريقة؛ ولكن هذه النصف ساعة التي التهمها الكرونوثيف اخافتني بشدة. لا استطيع ان اتخيل
انه كان يمر حولي في الغرفة يسخر من سذاجتي وانا سارح اتظاهر بالتامل في الورقة
وبالتفكير فيها بينما هو يسرق مني العمر بهذه السهولة.

“وكل شيء بينسرق مني … العمر م الايام … والضي م النني”

* * *

لا اعرف كيف اتخذت هذا القرار.. وجدت نفسي اقف امام الفيلا في المعادي. يجب ان
اجد هذا العجوز، كل ثانية تمر اشعر بطعمها في فم الكرونوثيف حتى لو كنت اعمل
في هذا الوقت واشغل نفسي. اشعر به يسري في الهواء ويشرب وقتي ثم يغادر فرحا
بسرقته. كان يجب ان اتي الى هنا كي يجد لي هذا العجوز حلا او يريحني
من هذا العذاب.

الفيلا عادية تماما، ليست مهجورة ولا يبدو عليها اي شيء غريب. تذكرت اني لا اعرف
اسم الرجل الذي اريده. طرقت الباب ففتح لي الخادم ، قلت له: انا اريد ان
ارى صاحب الفيلا. وتلعثمت قليلا عندما سالني عن سبب مجيئي. في هذه اللحظة ظهر صاحب
الفيلا في الشرفة وكان رجلا عجوزا فعلا؛ ولكنه كان يرى جيدا دون ان يستعين بنظارات
قال: انا لا اعرف هذا الشاب، من انت؟ صحت: انا جئت اليك من بيت الرعب
في الملاهي، ارسلوني اليك.. بيت الرعب.. الا تعرف عن ماذا اتحدث؟

هز العجوز راسه وقال: لا افهم ماذا تريد، اذا كنت جئت تطلب مالا فليست هذه
الطريقة المناسبة لطلب المساعدة، ارحل فورا قبل ان اطلق الكلبين عليك. ثم دخل من الشرفة
تاركا الامر بيد الخادم الذي لم يتحرك لطردي من امام باب الفيلا كما توقعت؛ ولكنه
نظر الي قائلا: لقد تحدثت مع الشخص الخطا، انا هو من تريد، تعال الى غرفتي
لنتكلم.

* * *

عدت الى منزلي مرهقا بعد حديث طويل مع العجوز. قال كلاما كثيرا عن الكرونوثيف وعن
الوقت وقد كان الكلام مثيرا في البداية ولكنه تحول الى مجموعة من النصائح والمواعظ عندما
بدا يتكلم عن كيفية تنظيم الوقت لكي لا ياكله الكرونوثيف. قلت له: اني لم ات
من اجل هذا، واني اريد حلا جذريا للقضاء عليه وطرده من بيت الرعب لكي يستريح
اصدقاء العجوز وايضا كي لا ينخرب بيتي اذا حدثت مشكلة في مكان عملي في بيت
الرعب.

عند ذلك قام الرجل واحضر سيفا معدنيا واعطاه لي وقال: هذا سيف الوقت، اذا رايت
شيطان الوقت -هكذا كان يسمي الكرونوثيف- اضربه بهذا السيف وسيرحل عنك، ولكني لا اضمن لك
انه لن يعود مرة اخرى.

وضع السيف في حقيبة واعطاها لي، ثم قال وهو يودعني: لن يكون لهذا السيف اي
مفعول اذا كان الكرونوثيف ياكل وقت من يحمله، يجب ان تمنعه من ذلك اولا.

اجلس الان لاخطط كيف سانظم وقتي، ساصحو مبكرا و.. فجاة سمعت ضحكة من خلفي. استدرت
ببطء وانا اعرف انه هو، بيدي اليمنى التقطت السيف واخفيته خلف ظهري، وقفت بمواجهته. قال
الكرونوثيف وهو لا يزال يضحك: اذن فقد ذهبت للعجوز واخبرك حكاياته السخيفة عن الوقت، كل
هذا لن يجدي معي، اذا اردت ان اسرق وقتك فلن تنفعك هذه المحاولات، هي فقط
ستجعل الامر اصعب علي ولكني في النهاية انتصر حتما.

وتغيرت لهجته الى الغضب وهو يقول: وجودك سبب لي مشاكل كثيرة، سكان بيت الرعب يرفضون
العمل معي، وازداد رفضهم بعد حديثك معهم. اعتقد ان قتلك سيجعلهم يعودون الى رشدهم ويعرفون
انه ما من احد سيساعدهم.

التقط الكرونوثيف سيفه الذي كان معلقا في حزامه، واشار به نحوي وقال: خسارة انك ستموت،
كنت اتمنى ان تعيش اكثر لاستمتع بسرقتك كل يوم.. لكن عزائي الوحيد اني ساكسب من
قتلك ولاء عفاريت بيت الرعب كلهم، جميلة هي غرفتك، وهذه الصورة هناك؛ اليس هذا “اينشتين”
الذي قال لكم بان الزمن هو البعد الرابع؟ لماذا لم تسمعوا كلامه؟

واشار بسيفه نحو صورة اينشتين فمزق السيف جزءا منها. وقال: كلكم تخافون من ان ياتي
شيء ما وياكل جسدكم في الابعاد الثلاثة، تخافون الامراض والفيروسات، تخافون الكائنات المتوحشة؛ ولكن حين
اتي انا واكل من بعدكم الرابع لا يتضايق احد، عندما اقرض من اطرافكم الممتدة في
الزمن لا ينزعج احد. اليس هذا طريفا؟ كل افلام الرعب التي تخيفكم تصور لكم الخطر
في الابعاد الثلاثة، انتم لا تعرفون حتى الان الرعب الحقيقي الذي يصيبكم في البعد الرابع
ولا تشعرون بشيء.

اعاد السيف الى ناحيتي رافعا اياه في وجهي، ثم سالني بسخرية: والان قبل ان اقطع
حياتك كلها، هل تريد شيئا اخيرا؟ الكرونوثيف ليس شريرا، وسيحقق لك رغبة واحدة فقط على
سبيل التسلية.

ابتسمت محاولا رسم ثقة زائفة على وجهي ويدي تحمل سيف الزمن خلف ظهري بحيث لا
يراه. قلت له: اريد منك طلبا واحدا؛ اذا افترضنا ان كل نصائح العجوز لا تفيد
معك، فما هي نقطة ضعفك الحقيقية؟ صحيح اني ساموت؛ ولكني اريد ان اعرف الاجابة التي
لم يخبرني بها العجوز حسب قولك.

انزل سيفه الى جواره واخذ يضحك بهستيريا لثوان قبل ان يهدا ويقول: مشكلتكم يا بني
ادم هي الغرور، انت لا تصدق فكرة ضعفك، وانك لا تستطيع ان تغلبني ابدا، ولازلت
تسال نفس السؤال، انتم ايها البشر لا يمكنكم ادراكي اصلا؛ فكيف تقضون علي؟ هل يمكن
للنملة ان تدرك ما هو الفيل؟ لا يستطيع عقلها الصغير ذلك ولا يمكنها رؤية كل
اجزائه، وحتى لو ادركت ما هو الفيل هل تعتقد انها يمكن ان تضره في اي
شيء؟ انت بالنسبة لي اقل من نملة، لا ترى مني الا جزءا يسيرا وشكلا واحدا
هو شكل لعبة الساحر، ولا تعرف عني الا اقل القليل، ولا يمكنك ان تؤذيني في
شيء، اما انا فاملك ان اسحقك في لحظة.

نظر الى الجدول الذي كنت ارسمه لتنظيم وقتي وقال ساخرا: هذه الخطط التي ترسمها على
الورق، عندما تنام اتي انا واغير الارقام والكتابات فلا تستفيد منها، تذهب الى ميعاد مع
صديق فافتعل اي شيء كي اجعله يتاخر ويضيع منك الوقت وينتقل الي؛ اما هذه الاجهزة
الالكترونية التي تستخدمونها لتنظيم الوقت فهي اجمل شيء بالنسبة لي، يمكنني العبث بها بسهولة مطلقة،
اجابتي على سؤالك كما قلتها لك هذا الصباح في بيت الرعب: لا يمكن ابدا القضاء
على الكرونوثيف بيد انسان مسلوب العمر.

رجعت خطوة للخلف ورفعت سيف العجوز في وجهه وقلت: حتى لو كان معي هذا؟ امتقع
وجه الكرونوثيف وبدا عليه الارتباك قليلا، هويت بالسيف عليه؛ لكنه صد ضربتي بسيفه والتقى السيفان
في جزء من الثانية ثم اختفى بعدها. لم اجد اي اثر له بعد ذلك؛ لكن
اثر خبطته على سيف العجوز ظلت موجودة. وهذا يعني ان سيفه اقوى من سيف الزمن.
هذا الكرونوثيف صعب حقا، ولا اعرف هل سيعود الى بيت الرعب وهل سيتوقف عن مطاردتي
ام لا.

الان انا سانام فقد اصبح الوقت متاخرا، في الغد سيكون على ان افتح بيت الرعب
لاول مرة منذ ان اغلقه المدير الاسبوع الماضي، وسيكون هناك الكثير من الزوار. اغمض عيني
وبجواري سيف الزمن يحرسني.

* * *

في اليوم التالي فاجاني حارس مدينة الملاهي عندما منعني من الدخول، وقال لي ان المدير
فصلني! قلت له: كيف ولماذا؟ فتذكرت اني رحلت بالامس دون ان اغلق لعبة بيت الرعب،
وقال الحارس: ان المدير مر فوجد باب النفق مفتوحا ولا احد بجوار اللعبة، فاصدر امرا
بطردي، وقام بتعيين شاب اخر مكاني.

استعطفت الحارس وقلت سادخل كي اعتذر للمدير فرفض، وقال: انه غير موجود. لم يكن هناك
امامي الا ان اقطع تذكرة مثل اي زائر للمدينة، اول مرة اقطع فيها تذكرة لمدينة
ملاه في حياتي؛ ولكني لم ات لالعب.. انا هنا لكي اعرف هل رحل الكرونوثيف من
بيت الرعب ام لا.

لم يكن من الممكن ان ادخل ومعي السيف طبعا؛ لكني اخذت معي من المكتبة بصورة
عشوائية كتابا اقرا فيه حتى لا تضيع مني ثانية واحدة فياخذها الكرونوثيف سارق الوقت. وقد
كان هذا الكتاب مصدر سخرية الجميع، فليس من المعتاد ان يقف المرء في طابور في
انتظار لعبة بيت الرعب وفي يده كتاب عن الادارة الذاتية وتنظيم الوقت! لكني لم ابال
بالتعليقات الساخرة التي كنت اسمعها بين الحين والاخر. وقفت مع الزوار في الطابور منتظرا دوري
لاركب القطار، بينما عامل اللعبة الجديد يتحدث مع رجل سقط منه هاتفه داخل النفق.

ابتسمت وانا اتذكر نفسي في مثل هذا الموقف عندما كنت اساعد الزوار الذين فقدوا اشياءهم.
واخذت اتابع القلق الذي ارتسم على وجه الرجل الذي ربما سرق منه هاتفه المحمول او
ضاع، وكيف سيكون رعبه عندما يعرف كم فقد من الدقائق والساعات والايام التي سرقها منه
كرونوثيف.

جاء دوري لركوب القطار وكان معي مجموعة اطفال يبدو انهم من مدرسة واحدة اذ كانوا
جميعا يرتدون نفس الزي. والعجيب انهم كانوا يشبهون بعضهم ايضا؛ حتى اني شككت في انهم
جميعا اخوة او اقارب. ركبنا القطار ودخلنا النفق. لم يكن هناك اي شيء غريب، كل
الالعاب كما هي. ولكني لم ار اي واحد من العفاريت، ولم ار الكرونوثيف. اقترب القطار
من نهاية النفق فشعرت بارتياح. لقد رحل الجميع واصبح بيت الرعب نظيفا. صحيح اني فقدت
وظيفتي؛ لكن الكرونوثيف لن يطاردني او يحاول قتلي. لعله رحل الى مدينة ملاه اخرى.

وقبل النهاية بقليل توقف القطار واظلم المكان تماما. لم يكن معي مصباحي الكهربائي ولا اي
وسيلة للاضاءة، وخمنت ان الاطفال سيصيبهم الرعب من توقف القطار فقمت من مكاني محاولا تهدئتهم
وقبل ان اقول شيئا رايت الكرونوثيف واقفا يضحك وبيده سيفه يحركه يمينا وشمالا في حركة
استعراضية. نزلت من القطار وتوجهت نحوه وقلت: اذا اردت ان تقتلني وانا اعزل، فلا تفعل
هذا امام الاطفال على الاقل، هذا طلبي الاخير؛ الست كرونوثيف طيب وتحقق لقتلاك طلباتهم الاخيرة؟

فجاة توقفت ابتسامة الكرونوثيف التي كنت اراها بصعوبة في الظلام وخيل الي انه اصيب بالرعب.
لاول مرة ارى شيطانا في الظلام في بيت الرعب وهو مرعوب! لاشك ان ما يخيفه
هو امر خطير جدا، وانا اولى بالخوف منه. ارتجفت لخوفه واستدرت خلفي لاجد كل الاطفال
الذين معي في القطار قد قاموا واخرج كل واحد منهم قوسا وسهما واعده في وضع
الانطلاق. اشار الي احدهم ان اتحرك بعيدا عن شيطان الوقت، ثم انطلقت السهام كلها في
لحظة واحدة لتخترق جسد الكرونوثيف.

عاد الاطفال الى اماكنهم في القطار واقتربت انا من الكرونوثيف الذي كان يلفظ انفاسه الاخيرة
وهو يهذي بكلمات غير مترابطة: “السهم.. الوقت كالسهم وليس كالسيف.. السهم اسرع من السيف”. التقطت
السيف الذي كان قد سقط منه وغرزته في موضع القلب، وقلت: ولكن السيف اقوى من
السهم. توقف الكرونوثيف عن الكلام وتحول جسده الى شعلة من نار لم تلبث قليلا حتى
تحولت الى رماد.

عدت الى مكاني في القطار دون ان اتبادل اي كلمة مع الاطفال الذين عرفت حقيقتهم
الان. وتحرك القطار مرة اخرى خارجا من بيت الرعب. نزلت من القطار وراني بائع الكشك
فاقترب مني وسالني عما حدث ولماذا تركت العمل ولماذا عدت لركوب اللعبة، ولماذا احمل في
يدي كتابا عن ادارة الذات؟ لم يستمع لاجابتي ولكنه قال اني غريب فعلا، ثم عاد
الى الكشك الذي امتلا بالزبائن من جديد بعد ان عادت الحركة الى بيت الرعب.

* * *

بجوار صور العلماء في غرفتي علقت سيف الزمن الذي اهداه لي العجوز، واشتريت مجسما لقوس
وسهم. الان اكتملت المجموعة، صور علماء يبحثون في فيزياء الزمن، وسيف يشير الى قوة الزمن،
وسهم يذكرني بسرعته. الان وبعد ان جاءني الرد من احدى الشركات التي كنت قدمت فيها
اوراقي للبحث عن عمل، ساذهب لاستلام عملي في مختبر فيزياء جديد؛ ولكني لن انسى ابدا
ما تعلمته في تلك الفترة التي قضيتها حارسا لبيت الرعب. ستظل اثارها في غرفتي وفي
داخل وجداني وفي اعماق اعماقي الى اخر لحظة في العمر.

  • بيت اللاظلم المرعب لعبه
  • لا استطيع ان اغير و ظيفتي مترجمة بالانجليزي
السابق
انواع الزيوت العطرية وفوائدها
التالي
صور نقش يمني