يعتبر التدخين من أكثر السلوكيات التي اعتادها الناس في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين ،
وغزت هذه الظاهرة العالم ككل ، فأصبحت بين يدي الصغير قبل الكبير ، ومن اعتادها
من الصغار ليتم معاملتهم كمعاملة الكبار ، فالطفل يحب أن يقلد والديه ، أو على
الأقل أبيه ، فيقوم بتقليده في الأمور التي تجعله عرضة للضرر ، وأن يكون رجلا
في نظر نفسه وأصدقائه ، ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن التدخين أصبح الوسيلة الوحيدة
بين فئة الشباب للتخلص من المشاكل ، والعمل الجاد على القضاء عليها ، من خلال
نسيانها خلال فترات النهار ، وأصبح التدخين الوسيلة الامثل التي انتشرت بين الشباب والكبار في
السن على حد سواء ، والغريب في الأمر حقا أن التدخين معروف بمدى خطورته ،
ومدى قدرته على تدمير الصحة ، فقد أثبتت منظمات الصحة العالمية أن الأعداد التي تموت
بسبب التدخين سنويا ، فاقت الأعداد التي توفيت بسبب مرض الطاعون في السابق ، فأصبح
هذا التدخين السبب الأبرز للوفاة ، فهناك شعار يقول إن أردت أن تنتحر قم بالتدخين
، فهي وسيلة فعالة حقا .
ولأن التدخين الآفة العصرية ، ومنبع الأمراض المزمنة ، كان لا بد من الوقوف على
مجرياته ، وأسباب انتشاره بين فئات عمرية محددة ، وبين الإدمان الواضح عليه ، كان
لا بد من الوقوف أيضا على الأضرار الجسيمة التي يتركها في الجسم ، فهو يدمر
الصحة بالبطيء ، ويجعلك تشعر كأنك في عمر الثمانين ، وأنت لم تتعد الثلاثين بعد
، ويقتل ملايين الخلايا يوميا ، ومنها الخلاية الدماغية التي لا يمكن أن تتعوض أبدا
، بل ويجعلك أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة ، وأمراض العصر الحديث ، كالقلب ،
وتصلب الشرايين ، والسكتة الدماغية والسرطان وغيرها ، كل هذا وأكثر ، وعندما تحادث أصحاب
العادة السيئة تفاجا بنظراتهم الغوغائية ، كأنهم لا يعون ما يفعلون بأنفسهم ، وتجد السعال
رفيق دربهم ، ولا تستطيع ان تقدم النصيحة لهم ، فهم يعرفون الأضرار جيدا ،
ويعرفون أنهم يغرقون ، ولكن لا بديل عن التدخين ، فكما لاحظنا في حياتنا اليومية
، نجد المدخن عندما يبدا بالضجر والضيق ، وعندما يدخل في حالة من الكبت والإحباط
، سرعان ما يلجا للتدخين ، كوسيلة للهروب من واقع أليم ، ترك في صاحبه
معاناة ، لا يمكن أن يفارقها على مر العمر ، وكأنه يحاول أن ينتحر ويموت
، ويتخلص من أزماته بواسطة السيجارة .
وختاما ، فإن التدخين يجعلك تشعر أنك شخص غير مرغوب ، فرائحة أنفاس المدخن كريهة
على الدوام ، يحبب أن ينفرد بنفسه ، يكره الخلطة بالأخرين ، وكأنه يعاقب نفسه
لإدمانه.