خطبة الجمعة – الخطبة 0559 : خ1 – صلاة الجمعة1 – فضل صلاة الجمعة ،
خ 2 – الحد الأدنى لطلب العلم .
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، إقرارا بربوبيته وإرغاما لمن جحد به وكفر. وأشهد أن
سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر،
أو سمعت أذن بخبر. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى
ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا
إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق
حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا
برحمتك في عبادك الصالحين.
خطبة الجمعة نافذة الأرض إلى السماء :
أيها الأخوة الكرام: في الأسبوع الماضي في خطبة الجمعة تحدثت عن فرضية صلاة الجمعة، وعن
فضلها، واليوم ننتقل إلى موضوع آخر متعلق بخطبة الجمعة ألا وهو: ” آداب الجمعة”.
قبل أن نشرع في الحديث عن آداب صلاة الجمعة، والاستماع إلى خطبة الجمعة، لابد من
أن أنوه إلى أن الإنسان بشكل أو بآخر وعاء، فلينظر الإنسان بما يملا وعاءه، إذا
ملا وعاءه مما يملؤه عامة الناس؛ شبهات، وضلالات، وشهوات، هذا الوعاء لا ينضح إلا بما
فيه، فالإنسان بشكل أو بآخر وعاء، فلينظر الإنسان بما يملا وعاءه، بم يغذي هذا الوعاء؟
ما المنهل الذي يستقي منه؟ ما المورد الذي يرده؟ ما المصدر الذي يأخذ عنه؟ هل
يأخذ عن الكتاب والسنة؟ هل يأخذ عن وحي السماء أم يأخذ عن ضلالات الأرض؟
أيها الأخوة الكرام: ربما – والله أعمل – جعلت خطبة الجمعة النافذة إلى وحي السماء،
كما يستقي الإنسان ثقافته من مصادر شتى، ينبغي أن يستقي عقيدته من وحي السماء، ينبغي
أن يستقي قيمه من قيم رسول الله، ينبغي أن يأخذ عن الله، وعن شرع الله،
وعن بيان الله.
أيها الأخوة الكرام: خطبة الجمعة نافذة الأرض إلى السماء، لذلك ربنا سبحانه وتعالى في سورة
من سور القرآن الكريم يقول:
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾
[سورة الجمعة:9]
(( القلوب أوعية فأوعاها هي التي تتسع للحق ))
[ أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة حدثا أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول على أعواد منبره:
((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ))
[ النسائي عن عبد الله بن عمر]
الغفلة مرض مهلك يصيب من أعرض عن ربه :
أكبر مرض يصيب الإنسان مرض مهلك ساحق أن يكون الإنسان غافلا، قال تعالى:
﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا ﴾
[سورة الكهف:103-104]
كيف يصحح الإنسان سيره؟ إذا صحح عقيدته، وكيف يصحح عقيدته إن لم يستق الإسلام من
ينابيعه الثرة؟ من أصوله الثابتة؟ فلذلك من ترك الجمعة ختم على قلبه، لا يعي على
خير، أصيب بالغفلة، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ولا تكن من الغافلين ﴾
[سورة الأعراف:205]
الغفلة مرض مهلك، لأن الإنسان إذا غفل عن ربه ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو
يتوهم أنه يحسن صنعا.
من طبع على قلبه صار كالغافلين الشاردين :
أيها الأخوة الكرام: وعن ابن عمر وابن عباس وسمرة: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
((من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه ))
[ النسائي عن عبد الله بن عمر]
يصبح قلبه كقلب الغافلين، لا يعي على خير، يكره الحق، يحب الباطل، تزين له الدنيا،
يكره طاعة الله، إن أنفق أنفق كارها، وإن قام إلى الصلاة قام كسلانا، وإن دعي
إلى ذكر الله ولى معرضا، تستهويه الدنيا، تستهويه البدع، تستهويه شهواتها، مباهجها، هذا معنى طبع
على قلبه؛ صار كالغافلين، صار كالشاردين، صار كالجاهلين، صار كالتائهين، صار كالضالين المضلين..
فضل صلاة الجمعة :
وعن ابن عمر وابن عباس وسمرة: قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
((من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه ))
[ النسائي عن ابن عمر]
ما من فريضة تعبدية تعليمية، حض عليها الإسلام، والقرآن الكريم بشكل واضح جلي، وسنة النبي
عليه الصلاة والسلام بشكل قطعي كصلاة الجمعة، لا لشيء إلا لأنها تغذي قلبك بالحق، إلا
لأنها تطلعك على وحي السماء، تطلعك على سنة خير الأنبياء، إلا لأنها تصحح عقيدتك، وبالتالي
تصحح بها مسيرتك.
أيها الأخوة الكرام: حديث ثالث عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
((من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه ))
[ابن ماجه عن جابر بن عبد الله]
فكان من الغافلين، الإنسان إذا حضر الجمعة ابتعد عن الغفلة، صحا، عرف الحق، عرف موقعه،
عرف منهجه، عرف هدفه، عرف الطريق إلى هدفه، عرف حكم كذا وكذا، عرف ماذا فعل
أصحاب رسول الله، عرف ما ينبغي أن يعتقده الإنسان، عرف ما ينبغي أن يتخلق به
الإنسان، هذا كله يأتي تباعا في خطب الجمعة.
الحض على صلاة الجمعة وحضورها وشهودها :
لذلك أيها الأخوة يقول الله عز وجل:
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك
فأولئك هم الخاسرون﴾
[سورة المنافقون:9]
وقد حدث أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين
فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها،
وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع على قلبه ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك
فأولئك هم الخاسرون﴾
[سورة المنافقون:9]
الحديث الأخير في الحض على صلاة الجمعة، وحضورها، وشهودها قال عليه الصلاة والسلام:
(( من ترك الجمعة متعمدا فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار ))
[ النسائي عن سمرة بن جندب]
لابد من جبر لهذا الثلم، لابد من جبر لهذا الكسر، لابد من ترميم لهذا الصدع:
(( من ترك الجمعة متعمدا فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار ))
[ النسائي عن سمرة بن جندب]
لأمر قاهر فاتته صلاة الجمعة، عليه أن يتصدق بدينار ليعيد توازنه مع الله عز وجل.
ترك صلاة الجمعة من الكبائر :
أيها الأخوة الكرام: أحيانا يعاقب الإنسان بعقاب شديد جدا، حينما يهدم بيته، وهذا تعلمونه جميعا،
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنظر فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون
الجمعة ))
[مسلم عن ابن مسعود]
أي هذا عند الله من الكبائر أن تدع صلاة الجمعة، أن تدع طلب العلم، أن
تدع تصحيح العقيدة، أن تدع تصحيح المسيرة، أن تدع التعرف إلى الله، أن تدع النظر
في المستقبل، أن تدع معرفة سر وجودك، وغاية وجودك.
أيها الأخوة الكرام: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم – لقد هممت – ما
قال هذا الكلام إلا ليبين عظم ترك صلاة الجمعة:
((لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنظر فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون
الجمعة ))
[مسلم عن ابن مسعود]
يجب أن تبرمج حياتك على أن تحضر صلاة الجمعة في مسجد تنتفع منه، وتستفيد من
خطبته، لا أن تقول: سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب..ليس هذا شأن المؤمن، يؤديها كيفما
اتفق، ولو أدرك ركعة واحدة يقول: أديتها والحمد لله سقط عني الوجوب، أنت لست في
هذا المستوى، أن تقول: سقط عني الوجوب وإن لم يحصل المطلوب.