قصة بقرة بني اسرائيل

 

 



سميت اطول سوره فالقران الكريم سوره البقرة؛ و هذا ان الله سبحانة ذكر فهذة السوره احداث تلك القصة، التي بدات بالقتل و انتهت بالاحياء، و تخلل هذا احداث مثيرة، و وقائع خارقه للعادة.

حاصل القصة

حاصل هذة القصه تبينة الايات الاتية: {واذ قال موسي لقومة ان الله يامركم ان تذبحوا بقره قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقره لا فارض و لا بكر عوان بين هذا فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقره صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى ان البقر تشابة علينا و انا ان شاء الله لمهتدون * قال انه يقول انها بقره لا ذلول تثير الارض و لا تسقى الحرث مسلمه لا شيه بها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها و ما كادوا يفعلون * و اذ قتلتم نفسا فاداراتم بها و الله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوة ببعضها ايضا يحيى الله الموتي و يريكم اياتة لعلكم تعقلون } (البقرة:67-73). هذة احداث القصه كما يذكرها القران علي و جة الاجمال.

روايات القصه التفصيلية

اما احداث القصه علي و جة التفصيل، فنقف عليها من اثناء ذكر بعض الروايات التي ذكرتها كتب التفسير، حول مجريات هذة القصه المثيره و المعبرة.

الروايه الاولي رواها ابن ابى حاتم و الطبرى عن عبيده السلماني، قال: كان فبنى اسرائيل رجل عقيم، قال: فقتلة و ليه، بعدها احتملة فالقاة فسبط غير سبطه. قال: فوقع بينهم فية الشر حتي اخذوا السلاح. قال: فقال اولو النهى: اتقتتلون و فيكم رسول الله؟ قال: فاتوا نبى الله، فقال: اذبحوا بقرة! فقالوا: اتتخذنا هزوا، قال: {اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقرة}، الي قوله: {فذبحوها و ما كادوا يفعلون}، قال: فضرب، فاخبرهم بقاتله. قال: و لم تؤخذ البقره الا بوزنها ذهبا، قال: و لو انهم اخذوا ادني بقره لاجزات عنهم. فلم يورث قاتل بعد ذلك.

الروايه الثانيه ذكرها الطبرى عن ابى العاليه ، قال: كان رجل من بنى اسرائيل، و كان غنيا، و لم يكن له و لد، و كان له قريب و ارثه، فقتلة ليرثه، بعدها القاة علي مفترق الطريق، و اتي موسي فقال له: ان قريبى قتل، و اتى الى امر عظيم، و انى لا اجد احدا يبين لى من قتلة غيرك يا نبى الله. قال: فنادي موسي فالناس: انشد الله من كان عندة من ذلك علم الا بينة لنا. فلم يكن عندهم علمه. فاقبل القاتل علي موسى، فقال: انت نبى الله، فاسال لنا ربك ان يبين لنا. فسال ربه، فاوحي الله اليه: {ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة}. فعجبوا، و قالوا: {اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقره لا فارض}، يعني: لا هرمة، و لا بكر، يعني: و لا صغيرة، {عوان بين ذلك}، اي: نصف، بين البكر و الهرمة. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقره صفراء فاقع لونها}، اي: صاف لونها، {تسر الناظرين}، اي: تعجب الناظرين. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى ان البقر تشابة علينا و انا ان شاء الله لمهتدون * قال انه يقول انها بقره لا ذلول} اي: لم يذللها العمل، {تثير الارض}، يعنى ليست بذلول فتثير الارض. { و لا تسقى الحرث }، اي: و لا تعمل فالحرث. {مسلمة}، يعنى مسلمه من العيوب، {لا شيه فيها}، اي: لا بياض فيها. {قالوا الان جئت بالحق فذبحوها و ما كادوا يفعلون}. قال: و لو ان القوم حين امروا ان يذبحوا بقرة، استعرضوا بقره من البقر فذبحوها، لكانت اياها، و لكنهم شددوا علي انفسهم، فشدد الله عليهم. و لولا ان القوم استثنوا، فقالوا: {وانا ان شاء الله لمهتدون}، لما هدوا اليها ابدا.

ثم انهم لم يجدوا البقره التي نعتت لهم، الا عند عجوز عندها يتامى، و هى القيمه عليهم. فلما علمت انهم لا يصلح لهم غيرها، ضاعفت عليهم الثمن. فاتوا موسي علية السلام فاخبروة انهم لم يجدوا ذلك النعت الا عند فلانة، و انها سالتهم اضعاف ثمنها. فقال لهم موسي علية السلام: ان الله ربما كان خفف عليكم، فشددتم علي انفسكم، فاعطوها رضاها و حكمها. ففعلوا، و اشتروها فذبحوها. فامرهم موسي علية السلام ان ياخذوا عظما منها، فيضربوا بة القتيل. ففعلوا، فرجعت الية روحه، فسمي لهم قاتله، بعدها عاد ميتا كما كان. فاخذوا قاتلة -وهو الذي كان اتي موسي فشكي اليه- فقتلة الله علي سوء عمله.

الروايه الثالثه ذكرها الطبرى عن السدي، قال: كان رجل من بنى اسرائيل مكثرا من المال، و كانت له ابنة، و كان له ابن اخ محتاج. فخطب الية ابن اخية ابنته، فابى ان يزوجة اياها، فغضب الفتى، و قال: و الله لاقتلن عمي، و لاخذن ما له، و لانكحن ابنته، و لاكلن ديته! فاتاة الفتى، و ربما قدم تجار فقبائل بنى اسرائيل، فقال: يا عم! انطلق معى فخذ لى من تجاره هؤلاء القوم، لعلى اصيب منها، فانهم اذا راوك معى اعطوني. فخرج العم مع الفتي ليلا، فلما بلغ الشيخ تلك القبائل، قتلة الفتى، بعدها رجع الي اهله.

فلما اصبح، جاء كانة يطلب عمه، كانة لا يدرى اين هو، فلم يجده. فانطلق نحوه، فاذا هو فتلك القبائل مجتمعين عليه، فاخذهم، و قال: قتلتم عمي، فادوا الى ديته. و جعل يبكى و يحثو التراب علي راسة و ينادى: و اعماه! فرفعهم الي موسي علية السلام، فقضي عليهم بالدية، فقالوا له: يا رسول الله، ادع لنا ربك حتي يبين له من صاحبه، فيؤخذ صاحب الجريمة، فوالله ان ديتة علينا لهينة، و لكنا نستحى ان نعير به. فقال لهم موسي علية السلام: اذبحوا بقرة. قالوا: نسالك عن القتيل و عمن قتله، و تقول: اذبحوا بقرة! اتهزا بنا؟ فقال لهم موسى: {فافعلوا ما تؤمرون}، فطلبوها فلم يقدروا عليها.

وكان رجل من بنى اسرائيل من ابر الناس بابيه، و ان رجلا مر بة معة لؤلؤ يبيعه، فكان ابوة نائما تحت راسة المفتاح، فقال له الرجل: تشترى منى ذلك اللؤلؤ بسبعين الفا؟ فقال له الفتى: كما انت حتي يستيقظ ابي، فاخذة بثمانين الفا. فقال له الاخر: ايقظ اباك، و هو لك بستين الفا. فجعل التاجر يحط له حتي بلغ ثلاثين الفا، و زاد الاخر علي ان ينتظر حتي يستيقظ ابوه، حتي بلغ ما ئه الف. فلما اكثر عليه، قال: لا و الله، لا اشترية منك بشيء ابدا، و ابي ان يوقظ اباه. فعوضة الله من هذا اللؤلؤ، ان جعل له تلك البقرة. فمرت بة بنو اسرائيل يطلبون البقرة، فابصروا البقره عنده، فسالوة ان يبيعهم اياها بقره ببقرة، فابى، فاعطوة ثنتين فابى، فزادوة حتي بلغوا عشرا، فابى، فقالوا: و الله لا نتركك حتي ناخذها منك. فانطلقوا بة الي موسى، فقالوا: يا نبى الله، انا و جدنا البقره عند هذا، فابي ان يعطيناها، و ربما اعطيناة ثمنا. فقال له موسي علية السلام: اعطهم بقرتك. فقال: يا رسول الله، انا احق بمالي. فقال: صدقت. و قال للقوم: ارضوا صاحبكم. فاعطوة و زنها ذهبا فابى، فاضعفوا له كما اعطوة و زنها، حتي اعطوة و زنها عشر مرات، فباعهم اياها و اخذ ثمنها. فقال: اذبحوها. فذبحوها فقال: اضربوة ببعضها. فضربوة بالبضعه التي بين الكتفين، فعاش، فسالوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن اخي، قال: اقتله، و اخذ ما له، و انكح ابنته. فاخذوا الغلام فقتلوه.

وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما و قتاده و مجاهد نحو ما جاء فهذة الروايات الثلاث. غير ان بعضهم ذكر ان الذي قتل القتيل الذي اختصم فامرة الي موسى، كان اخا المقتول، و ذكر بعضهم انه كان ابن اخيه، و قال بعضهم: بل كانوا جماعه و رثة، استبطؤوا حياته. الا ان كل الرواه مجمعون علي ان موسي انما امرهم بذبح البقره من اجل القتيل، حين احتكموا اليه.

وبعد ان ساق ابن كثير عددا من الروايات الوارده بشان هذة القصة، قال: “والظاهر انها ما خوذه من كتب بنى اسرائيل، و هى مما يجوز نقلها، و لكن لا نصدق و لا نكذب؛ فلهذا لا نعتمد عليها الا ما و افق الحق عندنا”. و كلام ابن كثير هذا، يفيد ان هذة الروايات مقبوله من حيث الجملة؛ لانها تتفق و الخبر القراني، اما الخوض فتفاصيلها، فلا ينبغى الالتفات اليه، و لا التعويل عليه.

ما يستفاد من القصة

تضمنت هذة القصه الكثير من الفائدة الايمانيه و التوجيهات التربوية، نجملها فيما ياتي:

– بيان قدره الله سبحانة التي لا تحدها قدرة، فهو سبحانة لا يعجزة شيء فالارض و لا فالسماء، و هو علي جميع شيء قدير، و ذلك و اضح فهذة القصه غايه الوضوح؛ و هذا انه سبحانة احيا القتيل بعد موته، و انطقة بالحق المبين.

– ان الانبياء عليهم السلام معصومون من الخطا و الزلل، و منزهون عن الصفات الذميمة.

– ان السؤال فيما لا يفيد فقليل و لا كثير، و لا يغنى من الحق شيئا لا خير فيه، بل ربما يترتب علية من النتائج ما لا يحمد عقباه.

– ان الحق مهما طال طمسة لا بد ان يخرج و يعلو فالنهاية، و ان الباطل مهما طال انتفاشة لا بد ان يدحر و يهزم فالنهاية.

غرائب مما ذكرتة التفاسير حول هذة القصة

وقد خاض بعض اهل التفسير فهذة القصه فتحديد (البعض) الذي امر بنو اسرائيل بضرب الميت به، و ذكروا فذلك اقوالا لا دليل يسعف بالقول بها، و من بعدها ذكر الطبرى فهذا الصدد ان الصواب ان يقال: “امرهم الله جل ثناؤة ان يضربوا القتيل ببعض البقرة؛ ليحيا المضروب. و لا دلاله فالاية، و لا فخبر تقوم بة حجة، علي اي ابعاضها التي امر القوم ان يضربوا القتيل به. و جائز ان يصبح الذي امروا ان يضربوة بة هو الفخذ، و جائز ان يصبح هذا الذنب و غضروف الكتف، و غير هذا من ابعاضها. و لا يضر الجهل باى هذا ضربوا القتيل، و لا ينفع العلم به، مع الاقرار بان القوم ربما ضربوا القتيل ببعض البقره بعد ذبحها فاحياة الله”.

واكد ابن كثير -فى ذلك الصدد- ما قررة الطبري، فقال: “فلو كان فتعيينة لنا فوائد تعود علينا فامر الدين او الدنيا لبينة الله تعالي لنا، و لكن ابهمه، و لم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه، فنحن نبهمة كما ابهمة الله”.

وما قررة الطبرى و اكدة ابن كثير فهذا الشان، هو الذي ينبغى المصير اليه، و التعويل عليه؛ اذ لا دليل يدل علي ذلك التحديد، و لا فوائد ثمه من تعيينة و معرفته.

والذى يهمنا فنهايه المطاف، ان نعتقد اعتقادا راسخا، ان هذة القصص ليست قصصا رمزيه او قصصا خيالية، بل هى حوادث و اقعية، قصها القران علينا؛ لنتعظ بها، و نستفيد منها، و لا يسعنا الا ان نسلم بخبر القران، سواء ادركتة عقولنا، ام لم تدركه.


قصة بقرة بني اسرائيل