صراحة راحة

 

صورة-1

 



معني الصراحة


فاللغة: الوضوح، و الخلوص من الالتواء.


و فالاصطلاح: اظهار الشخص ما تنطوى علية نفسة من غير تحريف و لا مواربة؛ بحيث تكون افكارة و اضحه جلية، و بحيث توافق افعالة اقوالة (الخلق الكامل 3/464).

لماذا الصراحه و الوضوح من اخلاق الكبار؟

لان الصراحه تعنى قول الحق و الصدق، و ربما يصبح هذا فغير مصلحتك، و لا يقدر علي ذلك الا الكبار اصحاب النفوس الكبيرة، و لان الصراحه تعنى الاعتراف بالخطا فبعض الاحيان، و ذلك ما لا يقدر علية الا الكبار الذين لديهم الشجاعه الادبيه الكافيه لمواجهه الاخرين بخطئهم.

ولان الصراحه تعنى تحمل المسئوليه الكامله عن كلمه ينطق فيها الانسان، و ذلك كذلك لا يصدر الا عن الكبار.

ولان الصراحه تعنى عدم مداهنه الكبراء و منافقتهم، بل تعنى احيانا الاصطدام معهم و التصدى لهم، و اظهار مفاسدهم و اخطائهم، و ذلك ما لا يطيقة الا الكبار.

فالصراحه و الوضوح من اخلاق الكبار و اصحاب النفوس الكبيرة؛ لانهم الوحيدون القادرون علي قول الحق، و امتلاك الشجاعه التي يواجهون فيها الاخرين، فيلجمون انفسهم عن قول المداراه او المجامله فغير الحق.

واقرب مسافه بين نقطتين هو الخط المستقيم الواصل بينهما؛ و احيانا ما يلجا البعض الي تحوير الكلام و عرضة علي الاخر بكيفية غامضه مبهمة؛ رغبه فالحصول علي معلومات اكثر من محدثة تشبع فضولة و حب استطلاعه؛ فهو يسعي الي ارباك من يحدثه، و يصيبة بنوع من البلبله حتي يضطرة الي اخراج جميع ما فجعبته، محاولا ايهامة بانة يعلم جميع شيء و لدية تفاصيل جميع شيء.

وعلي الجانب الاخر، فان من يعامل هذة المعامله يحاول كذلك المراوغه و المناوره خلال الحديث، محاولا الهروب من زلات اللسان، و الخروج باقل قدر من الاخطاء، و احداث نوع من التشتيت لمحدثة من اثناء الردود الدبلوماسيه التي بها مداراه و تورية.

وغالبا ما تكون كلمات ذلك الحديث تحمل العديد من التاويلات، و تتسم بالمداراه و الغموض، و يتحول ذلك الحديث الي مجموعه من الالغاز التي تحتاج الي حاذق لفكها و محلل ليتاولها.

الصراحه ضرورة


من هنا نستطيع ان ندرك اهميه الصراحه و الوضوح و قيمتها فحديثنا، و انها- اي الصراحه و الوضوح- تكفينا مئونه التعب و الجهد فالحصول علي المعلومه الصحيحه و الصريحه المباشرة، كما انها تقضى علي القيل و القال، و احاديث النفس التي يتصيدها الشيطان و يكبرها لدينا؛ فمثلا عند حدوث كهذة الاحاديث تكثر التساؤلات:


ما ذا يقصد بقولة هذا؟


هل يقصد اهانتي؟


هل يريد ان يحرجني؟


ما ذا؟ و كيف؟ و لماذا؟

وغيرها من علامات الاستفهام التي ربما ينساق الشخص و راءها فتوقعة فيما حرم الله؛ رغبه فارضاء نفسة و اراحتها من هم الشك و التفكير جراء ما سمعت من غموض فالحديث!!.

بيد ان ذلك السلوك لدي البعض اصبح لازمه من لوازم الكلام فاحاديثهم، و اصبح عدم الاستمرار فية يمثل عبئا صعبا عليهم، و فحاجه الي جهاد مرير حتي يتركوه.

وفى ظل غياب الصراحه و الوضوح فاحاديث الناس مع بعضهم البعض، فلا تتعجب اخى القارئ عندما تري البغضاء ربما انتشرت اوصالها بين الناس، و كثر التنافر و التناحر و ضرب بجذورة فالعلاقات الانسانية.

من شيم الكبار


ان الصراحه و الوضوح من شيم اصحاب النفوس الكبيره التي تحترم نفسها فتابي عليها الا القول بالحقيقه و البعد عن الالغاز و الغموض؛ فاصحاب النفوس الكبيره فقط هم الذين لا يابهون بالاخرين، فلا يضطرهم مركز او يجبرهم سلطان علي ان يقولوا غير الحقيقه فصراحه و وضوح.

فاصحاب النفوس الكبيره و المتصفون باخلاق الكبار لا يعترفون بالالغاز فالفاظهم، و يرفضون النفاق باشكالة و الوانه، و لا يستعملون التقيه او التوريه فاحاديثهم، بل الصراحه و الوضوح، و الصفاء و النقاء، و لا شيء غيرهما.

دفع شبهة


يظن البعض ان الصراحه و الوضوح تعنى سوء الادب مع الاخر او الخروج عن اطر اللياقه و اللطف فالحديث، و يظن البعض ان الصراحه و الوضوح تعنى التشهير و التجريح، و اثاره الفتن من اثناء النقد غير البناء و نشر عيوب و مساوئ الاخرين.

وفى الحقيقه ان خلق الصراحه و الوضوح بريء من هذا الفهم القاصر؛ هذا ان الصراحه و الوضوح لا يختلف عليهما عاقل فان النفس تميل اليهما، و ترتاح لمن يتحدث بهما، حتي و ان اسباب لها هذا بعض الحرج.

تحمل الصراحة


و اصحاب النفوس الكبيره هم ايضا المؤهلون لتحمل صراحه محدثيهم، و يقدرون هذا جيدا، فلا يغضبون و لا تتغير و جوههم، فيحملهم هذا علي معاداتهم او خصامهم و مقاطعتهم و تحديهم، او مقابله صراحتهم بالتهكم عليهم و الاساءه لهم؛ هذا ان اصحاب النفوس الكبيره يجعلون من رسول الله- صلي الله علية و سلم- قدوه لهم؛ فلا يابهون اين موقع نفوسهم؛ فالاصل ان يكونوا علي سنه نبيهم فتقبل صراحه الاخرين.

روي ان رسول الله- صلي الله علية و سلم- نسى فصلي ركعتين بدلا من اربع، فيقول له ذو اليدين- بكل ادب-: يا نبى الله.. انسيت ام قصرت؟. فقال- صلي الله علية و سلم-:”لم انس و لم تقصر”.

عندئذ تدخل الصحابه الحاضرون بكل صراحه و وضوح و فادب كامل ايضا: “بل نسيت يا رسول الله”، فلم يتغير عليهم رسول الله- صلي الله علية و سلم- او يغضب لصراحتهم و قال: “صدق ذو اليدين”، فقام فصلي ركعتين، بعدها سلم بعدها كبر فسجد كسجودة او اطول، بعدها رفع راسة و كبر، بعدها و ضع كسجودة او اطول، بعدها رفع راسة و كبر” (صحيح البخاري- ح رقم: 5591).

صراحه الفاروق


البعض منا اليوم يبالغ فالمجاملات، خاصه مع الشخصيات العامه و اصحاب المراكز العليا و المسئولين و الرؤساء، و تزداد المجامله و ضوحا و ظهورا اذا كانت لا تتعدي حيز العبارات و الاقوال، و تقل كلما دخلت فنطاق الاداء العملي.

وصراحه صحابه رسول الله- صلي الله علية و سلم- ليست لها حدود؛ فالنفاق لا يعرف لقلوبهم طريقا، و المداراه فالحق لا تعرف الي حديثهم سبيلا، انها الصراحه و الوضوح التي تربوا عليهما، و التي اعتقد ان البعض فو قتنا الحاضر يمكنة ان يعلن لمديرة الظالم عن حبة له و هو يتمني لو لم يكن موجودا!!.

فيا لصراحه الفاروق الذي اعلن حقيقه لم تستقر فقلبة بعد، و لكنها و اقعه فنفسه، فعبر عن مشاعرة كما هى دون زياده او نقصان و فصراحه و وضوح، و تجاة من؟!.. تجاة رسول الله- صلي الله علية و سلم-: “والله لانت يا رسول الله احب الى من جميع شيء الا نفسي”!!.

انظر اخى القارئ الي هذة الصراحه التي تجلت فحديثه.. انه ينقل مشاعرة و احاسيسه، و لكن لا تعجب؛ انه الفاروق، و انها الشجاعه الادبيه و الوضوح فالحديث.

حدثنا قتيبه بن سعيد حدثنا ابن لهيعه عن زهره بن معبد عن جدة قال: كنا مع النبى صلي الله علية و سلم و هو اخذ بيد عمر بن الخطاب رضى الله عنة فقال و الله لانت يا رسول الله احب الى من جميع شيء الا نفسى فقال النبى صلي الله علية و سلم “لا يؤمن احدكم حتي اكون عندة احب الية من نفسه” قال عمر: فلانت الان و الله احب الى من نفسي. فقال رسول الله صلي الله علية و سلم: “الان يا عمر ” (مسند الامام احمد- ح رقم: 17355).

الصراحه و الاستوثاق


بعضنا اليوم يمنعة الحياء من الاستوثاق من كلام اشكل علية استيعابه، او يتحرج من الاستفسار عن امر صعب علية فهمة من محدثه، خاصه اذا كان هذا المتحدث صاحب مركز او سلطان، او ذا مكانه و وجاهة.

اخى القارئ.. عد بذاكرتك الي الوراء، و اترك لخيالك العنان، و عش معى بقلبك و عقلك و جوارحك، و احجز لنفسك مقعدا ضمن الحضور فهذا المجلس المصيري: بين رسول الله- صلي الله علية و سلم- و الانصار فيما يعرف فكتب السيره ببيعه العقبة؛ فها هو رسول الله- صلي الله علية و سلم- يجتمع بهم لاخذ العهد و الميثاق، فيقول رجل بعد ان تعرض بنود البيعة، و يعبر عن حقيقه لا تزال فنفسة منها شيء، و يحتاج الي المزيد من الاستوثاق و التوضيح، و لسان حالة يقول: “لماذا اخفى شيئا فنفسي؟! لماذا لا اجلى الامر حتي لا يدخل القلق و الشك و الارتياب الي قلبي؟!”.

يقول هذا الصحابي: “يا رسول الله.. ان بيننا و بين الرجال حبالا- يعنى اليهود- و انا قاطعوها، فهل عسيت ان فعلنا هذا بعدها اظهرك الله ان ترجع الي قومك و تدعنا؟”.

يا سبحان الله.. كم يغضب الكثيرون اذا استفهمت منهم او حاولت الاستيضاح، و ربما تتهم بفقدان الثقه فالقيادة: اين الجندية؟! اين.. اين؟!

لقد كان الرد الحانى من رسول الله- صلي الله علية و سلم- الذي تبسم بعدها قال: بل الدم الدم، و الهدم الهدم؛ انا منكم و انتم مني؛ احارب من حاربتم، و اسالم من سالمتم” (مسند الامام احمد ح رقم: 15237).

لا تغضب ممن يصارحونك


راينا فالمثال السابق كيف ان النبي- صلي الله علية و سلم- لم ينكر علي الصحابى حق الاستفهام او الاستيضاح رغم انه يحمل بعض علامات الريب و الشك و الخوف من التنصل منهم او مجافاتهم، و رغم عظمه من يبرم العقد، و انه صاحب المقام الرفيع، و النبى الموحي الية من رب العالمين، الا اننا لاحظنا تبسمه- صلي الله علية و سلم- التي بعث من خلالها برساله الي جميع اصحاب الوجاهه و المكانه و الرؤساء و المدراء و المسئولين- و هم غالبا من يحزنون من صراحه من حولهم و يتضجرون من صدقهم و وضوحهم- كانت رساله لهم جميعا: لا تغضبوا.. لا تحزنوا؛ فالصراحه و الوضوح اروع من الغش و الخداع و النفاق”.

وكما كان رسول الله- صلي الله علية و سلم- كان صحابتة رضوان الله عليهم؛ فلقد قام رجل يامر الخليفه عمر بن الخطاب بالتقوى، فيعترض بعض الحاضرين، فيقول الفاروق: “دعوة فليقلها؛ لا خير فيكم ان لم تقولوها، و لا خير فينا ان لم نقبلها”.

الشجاعه الادبية


مستوي الايمان فنفس جميع مؤمن هو الدافع الحقيقى للتحدث بصراحه و وضوح؛ هذا ان الايمان الراسخ فالقلب يقف حائلا و سدا منيعا امام و ساوس النفس الضعيفه التي تحاول ان تتجمل او تتزين بقول غير الحقيقة؛ فقد كان كعب ابن ما لك- رضى الله عنه- احد المخلفين عن غزوه تبوك (غزوه العسرة)، و ربما كان ذا لسان فصيح و حجه بليغة، و منطق فالحوار، و ربما كان يستطيع ان يختلق عذرا كما اختلق غيرة ممن تخلفوا، غير ان ايمانة الحق بربة و شجاعتة الادبيه و مروءتة الواضحه ابت الا ان يقول الحق، و يتحدث فصراحه و وضوح.

يقول الصحابى الجليل كعب ابن ما لك- رضى الله عنه-: “فجئت امشى حتي جلست بين يديه- اي رسول الله صلي الله علية و سلم- فقال لي: “ما خلفك؟”، قال: قلت: يا رسول الله.. انى و الله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرايت انى ساخرج من سخطة بعذر؛ لقد اعطيت جدلا. و الله ما كان لى من عذر، و الله ما كنت قط اقوي و لا ايسر منى حين تخلفت عنك.

فاين- اخى القارئ- من يعترف بخطئة اليوم؟! كم عددهم؟! و كم نسبتهم ممن يتعللون باعذار و ما هى باعذار؟!؛ يريدون ان يتنصلوا من خلالها بعهودهم و مواثيقهم و اتفاقاتهم التي قطعوها علي انفسهم!!.

انظر اخى القارئ الي شجاعه الصحابى الجليل و التي يفتقدها الكثيرون الان، و الذين يدفعهم الحرج الي قول لا اقول الكذب، و لكن اقول المداراه و التورية، و التي يستعملها البعض فغير موضعها؛ خوفا من الحرج او الظهور بمظهر الهارب.

التحذير من لحن القول


و البعض ربما اتاهم الله فصاحه فاللسان، و بيانا فالقول، و منطقا فالجدل؛ فهم يستطيعون ايهام السامع بمعني يقصدة و لا يقصدونه، فهم يعرضون ببعض العبارات التي تحمل معنيين: احدهما قريب، و هو المقصود، و الاخر بعيد، و هو غير مقصود، فيضلون الناس عن الحقيقة، مستغلين بذلك المعاريض فغير موضعها، و فذلك حذر النبي- صلي الله علية و سلم- ذلك الصنف من استغلال فصاحتة و بيانة و منطقة فالجدل من تضليل الاخر.

حدثنا عبدالله بن مسلمه عن ما لك عن هشام بن عروه عن ابية عن زينب عن ام سلمه رضى الله عنها: ان رسول الله صلي الله علية و سلم قال: “انكم تختصمون الي، و لعل بعضكم الحن بحجتة من بعض، فمن قضيت له بحق اخية شيئا بقولة فانما اقطع له قطعه من النار فلا ياخذها” (صحيح البخاري- ح رقم: 2483).

كبرت خيانة


و تاكيدا علي ذلك المعني فان رسول الله- صلي الله علية و سلم- عد من يسلك ذلك النهج و يتبع ذلك السبيل فجديدة مع اخية من الخيانة التي يجب علي المسلم ان يبتعد عن الاتصاف فيها او التخلق بها: عن نواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلي الله علية و سلم:”كبرت خيانة تحدث اخاك حديثا هو لك مصدق و انت بة كاذب” (مسند الامام احمد- ح رقم: 16977).

لمن يكرهون الصراحة


اما الذين يكرهون الصراحه و يغضبون من الوضوح و يحزنون ممن يقول لهم الحقيقة، نقول لهؤلاء ان بامكان محدثيكم ان يداروكم ظاهرا و يمقتونكم باطنا؛ ان يخرجوا لكم الموالاه و التبعه و المحبة، و يبطنون لكم المكائد و الدسائس، ان بامكانهم ان يبشوا فو جوهكم، و لكن تلعنكم قلوبهم، يقول ابو الدرداء: “انا لنكشر فو جوة اقوام و ان قلوبنا لتلعنهم”.

فايهم احب اليك؟!.. صديق صادق صريح؟! ام منافق خادع ما كر يماريك فقولك و فعلك فالحق و الباطل؟!.

القران و الصراحة


كثيرا ما يريد احدنا ان يستريح فبيتة دون ان يقلقة هاتف او يزعجة زائر؛ يريد ان يجلس مع اهل بيتة يلاعبهم و يلاعبونه، و فجاه و دون اي مقدمات يطرق الباب زائر، و حينئذ تتعرض الراحه للانقطاع، او التسامر مع الابناء للانتهاء.


هل يتهرب من زائره؟! هل يكذب و يظهر له احد الابناء ليقول له ان ابى ليس بالداخل؟!.


و للقران هنا كلمتة و موقفة العظيم الذي يربى الزائر كما يربى المزور؛ انه يعطى الرخصه للمزور ان يعتذر؛ ان يقول و بكل صراحه و وضوح: “من فضلك ارجع؛ ليس عندى المقدره علي استقبالك الان”!!؛ ظروفى لا تسمح لاستضافتك”.

وهو فنفس الوقت يربى الزائر علي حسن استقبالها؛ فهو خير لك و لمن تزورة ﴿وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكي لكم﴾ (النور: من الايه 28).

  • صراحه


صراحة راحة