شرح سورة التكوير

عدد اياتها 29 ( ايه 1-29 )


و هى مكية

{ 1 – 14 } { اذا الشمس كورت * و اذا النجوم انكدرت * و اذا الجبال سيرت * و اذا العشار عطلت * و اذا الوحوش حشرت * و اذا البحار سجرت * و اذا النفوس زوجت * و اذا الموءوده سئلت * باى ذنب قتلت * و اذا الصحف نشرت * و اذا السماء كشطت * و اذا الجحيم سعرت * و اذا الجنه ازلفت * علمت نفس ما احضرت }

اي: اذا حصلت هذة الامور الهائلة، تميز الخلق، و علم جميع احد ما قدمة لاخرته، و ما احضرة بها من خير و شر، و هذا اذا كان يوم القيامه تكور الشمس اي: تجمع و تلف، و يخسف القمر، و يلقيان فالنار.

{ و اذا النجوم انكدرت } اي: تغيرت، و تساقطت  من افلاكها.

{ و اذا الجبال سيرت } اي:: صارت كثيبا مهيلا، بعدها صارت كالعهن المنفوش، بعدها تغيرت و صارت هباء منبثا، و سيرت عن اماكنها، { و اذا العشار عطلت } اي: عطل الناس حينئذ نفائس اموالهم التي كانوا يهتمون لها و يراعونها فجميع الاوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبة بالعشار، و هى النوق التي تتبعها اولادها، و هى انفس اموال العرب اذ ذاك عندهم، علي ما هو فمعناها من جميع نفيس.

{ و اذا الوحوش حشرت } اي: جمعت ليوم القيامة، ليقتص الله من بعضها لبعض، و يري العباد كمال عدله، حتي انه ليقتص من القرناء للجماء  بعدها يقول لها: كونى ترابا.

{ و اذا البحار سجرت } اي: اوقدت فصارت -علي عظمها- نارا تتوقد.

{ و اذا النفوس زوجت } اي: قرن جميع صاحب عمل مع نظيره، فجمع الابرار مع الابرار، و الفجار مع الفجار، و زوج المؤمنون بالحور العين، و الكافرون بالشياطين، و ذلك كقولة تعالى: { و سيق الذين كفروا الي جهنم زمرا } {وسيق الذين اتقوا ربهم الي الجنه زمرا } { احشروا الذين ظلموا و ازواجهم } .

{ و اذا الموءوده سئلت } و هو الذي كانت الجاهليه الجهلاء تفعلة من دفن البنات و هن احياء من غير سبب، الا خشيه الفقر، فتسال: { باى ذنب قتلت } و من المعلوم انها ليس لها ذنب، ففى ذلك توبيخ و تقريع لقاتليها  . { و اذا الصحف } المشتمله علي ما عملة العاملون من خير و شر { نشرت } و فرقت علي اهلها، فاخذ كتابة بيمينه، و اخذ كتابة بشماله، او من و راء ظهره.

{ و اذا السماء كشطت } اي: ازيلت، كما قال تعالى: { يوم تشقق السماء بالغمام } { يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب } { و الارض جميعا قبضتة يوم القيامه و السماوات مطويات بيمينة } { و اذا الجحيم سعرت } اي: اوقد عليها فاستعرت، و التهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك، { و اذا الجنه ازلفت } اي: قربت للمتقين، { علمت نفس } اي: جميع نفس، لاتيانها فسياق الشرط.

{ ما احضرت } اي: ما حضر لديها من الاعمال [التى قدمتها] كما قال تعالى: { و وجدوا ما عملوا حاضرا } و هذة الاوصاف التي و صف الله فيها يوم القيامة، من الاوصاف التي تنزعج لها القلوب، و تشتد من اجلها الكروب، و ترتعد الفرائص و تعم المخاوف، و تحث اولى الالباب للاستعداد لذا اليوم، و تزجرهم عن جميع ما يوجب اللوم، و لهذا قال بعض السلف: من اراد ان ينظر ليوم القيامه كانة راى عين، فليتدبر سوره { اذا الشمس كورت }

{ 15 – 29 } { فلا اقسم بالخنس * الجوارى الكنس * و الليل اذا عسعس * و الصبح اذا تنفس * انه لقول رسول كريم * ذى قوه عند ذى العرش مكين * مطاع بعدها امين * و ما صاحبكم بمجنون * و لقد راة بالافق المبين * و ما هو علي الغيب بضنين * و ما هو بقول شيطان رجيم * فاين تذهبون * ان هو الا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم ان يستقيم * و ما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين }


اقسم تعالي { بالخنس } و هى الكواكب التي تخنس اي: تتاخر عن سير الكواكب المعتاد الي جهه المشرق، و هى النجوم السبعه السيارة: ” الشمس “، و ” القمر “، و ” الزهره “، و ” المشتري “، و ” المريخ “، و ” زحل “، و ” عطارد “، فهذة السبعه لها سيران: سير الي جهه المغرب مع باقى الكواكب و الافلاك  ، و سير معاكس لهذا من جهه المشرق تختص بة هذة السبعه دون غيرها.

فاقسم الله فيها فحال خنوسها اي: تاخرها، و فحال جريانها، و فحال كنوسها اي: استتارها بالنهار، و يحتمل ان المراد فيها كل النجوم  الكواكب السياره و غيرها.

{ و الليل اذا عسعس } اي: ادبر و قيل: اقبل، { و الصبح اذا تنفس } اي: بانت  علائم الصبح، و انشق النور شيئا فشيئا حتي يستكمل و تطلع الشمس، و هذة ايات عظام، اقسم الله فيها علي علو سند القران  و جلالته، و حفظة من جميع شيطان رجيم فقال: { انه لقول رسول كريم } و هو: جبريل علية السلام، نزل بة من الله تعالى، كما قال تعالى: { و انه لتنزيل رب العالمين نزل بة الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين } و وصفة الله بالكريم لكرم اخلاقه، و كثرة خصالة الحميدة، فانة اروع الملائكة، و اعظمهم رتبه عند ربه، { ذى قوه } علي ما امرة الله به. و من قوتة انه قلب ديار قوم لوط بهم فاهلكهم.

{ عند ذى العرش } اي: جبريل مقرب عند الله، له منزله رفيعة، و خصيصه من الله اختصة بها، { مكين } اي: له مكانه و منزله فوق منازل الملائكه كلهم.

{ مطاع بعدها } اي: جبريل مطاع فالملا الاعلى، لديه  من الملائكه المقربين جنود، نافذ فيهم امره، مطاع رايه، { امين } اي: ذو امانه و قيام بما امر به، لا يزيد و لا ينقص، و لا يتعدي ما حد له، و ذلك [كله] يدل علي شرف القران عند الله تعالى، فانة بعث بة ذلك الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة. و العاده ان الملوك لا ترسل الكريم عليها الا فاهم المهمات، و اشرف الرسائل.

ولما ذكر فضل الرسول الملكى الذي جاء بالقران، ذكر فضل الرسول البشرى الذي نزل علية القران، و دعا الية الناس فقال: { و ما صاحبكم } و هو محمد صلي الله علية و سلم { بمجنون } كما يقولة اعداؤة المكذبون برسالته، المتقولون علية من الاقوال، التي يريدون ان يطفئوا فيها ما جاء بة ما شاءوا و قدروا عليه، بل هو اكمل الناس عقلا، و اجزلهم رايا، و اصدقهم لهجة.

{ و لقد راة بالافق المبين } اي: راي محمد صلي الله علية و سلم جبريل علية السلام بالافق البين، الذي هو اعلي ما يلوح للبصر.

{ و ما هو علي الغيب بضنين } اي: و ما هو علي ما اوحاة الله الية بمتهم يزيد فية او ينقص او يكتم بعضه، بل هو صلي الله علية و سلم امين اهل السماء و اهل الارض، الذي بلغ رسالات ربة البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غنى و لا فقير، و لا رئيس و لا مرءوس، و لا ذكر و لا انثى، و لا حضرى و لا بدوي، و لذا بعثة الله فامه امية، جاهله جهلاء، فلم يمت صلي الله علية و سلم حتي كانوا علماء ربانيين، و احبارا متفرسين، اليهم الغايه فالعلوم، و اليهم المنتهي فاستخراج الدقيقة و الفهوم، و هم الاساتذة، و غيرهم قصاراة ان يصبح من تلاميذهم.

{ و ما هو بقول شيطان رجيم } لما ذكر جلاله كتابه  و فضلة بذكر الرسولين الكريمين، اللذين و صل الي الناس علي ايديهما، و اثني الله عليهما بما اثنى، دفع عنة جميع افه و نقص مما يقدح فصدقه، فقال: { و ما هو بقول شيطان رجيم } اي: فغايه البعد عن الله و عن قربه، { فاين تذهبون } اي: كيف يخطر ذلك ببالكم، و اين عزبت عنكم اذهانكم؟ حتي جعلتم الحق الذي هو فاعلي درجات الصدق بمنزله الكذب، الذي هو انزل ما يصبح [وارذل] و اسفل الباطل؟ هل ذلك الا من انقلاب الحقائق. { ان هو الا ذكر للعالمين } يتذكرون بة ربهم، و ما له من صفات الكمال، و ما ينزة عنة من النقائص و الرذائل [والامثال]، و يتذكرون بة الاوامر و النواهى و حكمها، و يتذكرون بة الاحكام القدريه و الشرعيه و الجزائية، و بالجملة، يتذكرون بة مصالح الدارين، و ينالون بالعمل بة السعادتين.

{ لمن شاء منكم ان يستقيم } بعدما تبين الرشد من الغي، و الهدي من الضلال. { و ما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين } اي: فمشيئتة نافذة، لا ممكن ان تعارض او تمانع. و فهذة الايه و امثالها رد علي فرقتى القدريه النفاة، و القدريه المجبره كما تقدم مثلها [والله اعلم و الحمد لله].

( ايه 1-29 )


شرح سورة التكوير